أتيتني إلا وبينت الحزن في وجهك حتى الساعة؟ قال: نعم يا محمد، لما غرق الله فرعون قال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) فأخذت حمأة فوضعتها في فيه، ثم قلت له: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) ثم خفت أن تلحقه الرحمة من عند الله فيعذبني على ما فعلت، فلما كان الآن، وأمرني أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون، آمنت وعلمت أن ذلك كان لله رضا (فاليوم ننجيك ببدنك) اختلف في معناه، فقال أكثر المفسرين: معناه لما أغرق الله فرعون وقومه، أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون، وقالوا: هو أعظم شأنا من أن يغرق، فأخرجه الله حتى رأوه، فذلك قوله (فاليوم ننجيك) أي: نلقيك على نجوة من الأرض، وهي المكان المرتفع ببدنك أي: بجسدك من غير روح، وذلك أنه طفا عريانا. وقيل:
معناه نخلصك من البحر، وأنت ميت، والبدن الدرع. قال ابن عباس: كانت عليه درع من ذهب يعرف بها، فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة، ليعرفوك بها (لتكون لمن خلفك آية) أي: لتكون نكالا لمن خلفك، فلا يقولوا مثل مقالتك، عن الكلبي. وقيل: إنه كان يدعي أنه رب، فبين الله أمره وأنه عبد، وفيه من الآية أنه غرق مع القوم، وأخرج هو من بينهم، وكان ذلك آية، عن الزجاج (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) يعني أن كثيرا من الناس عن التفكر في دلالاتنا، والتدبر لحججنا وبيناتنا، غافلون أي: ذاهبون.
(ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (93).
الاعراب: (المبوأ): يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون مكانا، ويكون المفعول الثاني من بوأت على هذا محذوفا كما حذف من قوله (وبوأكم في الأرض). ويجوز أن ينتصب (المبوأ) نصب المفعول به على الاتساع، وإن كان مصدرا، فقد أجاز ذلك سيبويه في قوله: أما الضرب فأنت ضارب.
المعنى: ثم بين سبحانه حال بني إسرائيل بعد إهلاك فرعون، فقال: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) أخبر سبحانه عن نعمه عليهم بعد أن أنجاهم، وأهلك عدوهم، يقول: مكناهم مكانا محمودا، وهو بيت المقدس والشام. وإنما قال (مبوأ صدق) لأن فضل ذلك المنزل على غيره من المنازل، كفضل الصدق على الكذب.