ولما بين سبحانه أن الدنيا تنقطع وتفنى بالموت، كما يفنى هذا النبات بفنون الآفات، ونبه على التوقع لزوالها، والتحرز عن الاغترار بأحوالها، رغب عقيبه في الآخرة، فقال: (والله يدعو إلى دار السلام) قيل إن السلام وهو الله تعالى، فإن الله تعالى يدعو إلى داره، وداره الجنة، عن الحسن، وقتادة. وقيل: دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات، عن الجبائي. والسلام والسلامة واحد مثل الرضاع والرضاعة، قال:
تحيا بالسلامة أم بكر، وهل لك بعد رهطك من سلام وقيل: سميت الجنة دار السلام، لأن أهلها يسلم بعضهم على بعضي، والملائكة تسلم عليهم، ويسلم ربهم عليهم، فلا يسمعون إلا سلاما، ولا يرون إلا سلاما، ويعضده قوله: (تحيتهم فيها سلام) وما أشبهه (ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) قيل: يهدي من يشاء إلى الإيمان والدين الحق، بالتوفيق، والتيسير، والإلطاف. وقال الجبائي: يريد به نصب الأدلة لجميع المكلفين دون الأطفال والمجانين. وقيل: معناه يهدي من يشاء في الآخرة إلى طريق الجنة الذي يسلكه المؤمنون، ويعدل عنه الكافرون إلى النار.
(* للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (26) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (27).
القراءة: قرأ ابن كثير، والكسائي، ويعقوب، وسهل (قطعا) ساكنة الطاء.
والباقون: (قطعا) بفتحها.
الحجة: القطع: جمع قطعة من الليل. والقطع: الجزء من الليل الذي فيه ظلمة.
اللغة: الرهق: لحاق الأمر، ومنه راهق الغلام: إذا لحق بالرجال. ورهقه في الحرب: أدركه. قال الأزهري: الرهق اسم من الإرهاق، وهو أن يحمل الانسان