(ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور (9) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه، لفرح فخور (10) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير (11).
اللغة: الذوق: تناول الشئ بالفم لإدراك الطعم، وسمى الله سبحانه إحلال اللذات بالإنسان إذاقة، لسرعة زوالها، تشبيها بما يذاق، ثم يزول كما قيل:
(أحلام نوم أو كظل زائل). والنزع: قلع الشئ عن مكانه. واليئوس: فعول من يئس. واليأس: القطع بأن الشئ المتوقع لا يكون، ونقيضه الرجاء. والنعماء:
إنعام يظهر أثره على صاحبه. والضراء: مضرة تظهر الحال بها لأنهما أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة، مثل حمراء وعيناء، مع ما فيهما من المبالغة. والفرح، والسرور، من النظائر: وهو انفتاح القلب بما يلتذ به، وضده الغم. والصحيح أن الغم والسرور من جنس الاعتقادات، وليسا بجنسين من الأعراض. ومن الناس من قال: إنهما جنسان. والفخور: الذي يكثر فخره، وهو التطاول بتعديد المناقب، وهي صفة ذم إذا أطلقت لما فيها من التكبر على من لا يجوز أن يتكبر عليه.
الاعراب: اللام في (لئن) لتوطية القسم، وليست للقسم. والتقدير: والله لئن أذقنا الانسان منا رحمة إنه ليئوس. فإنه جواب القسم الذي هيأته اللام، إلا أنه مغن عن جواب الشرط وواقع موقعه، ومثله قول الشاعر:
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها، وأمكنني منها إذا لا أقيلها أي: والله لا أقيلها ولو كانت جواب (إن) لكان لا أقلها (الذين صبروا):
في موضع نصب على الاستثناء من (الانسان) لأنه اسم الجنس، فهو كقوله: (إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا) وقال الزجاج، والأخفش: إنه استثناء ليس من الأول، والمعنى لكن الذين صبروا، والأول قول الفراء.
المعنى: ثم بين سبحانه حال الانسان فيما قابل به نعمه من الكفر، فقال:
(ولئن أذقنا الانسان منا رحمة) أي: أحللنا به نعمة من الصحة والكفاية، والسعة،