تحتمل ما دونه، والله سبحانه يوصله إليهم في وقته. وسمي العقاب شرا من جهة المشقة والأذى الذي فيه، وفائدته انه لو تعجلت العقاب، لزال التكليف، ولا يزول التكليف إلا بالموت. وإذا عوجلوا بالموت لم يبق أحد.
(فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون) أي: فندع الذين لا يخافون البعث والحساب، يتحيرون في كفرهم، وعدولهم عن الحق إلى الباطل، وتمردهم في الظلم. والعمه: شدة الحيرة. ثم أخبر سبحانه عن قلة صبر الانسان على الضرر، والشدائد: فقال: (وإذا مس الانسان الضر) أي المشقة، والبلاء، والمحنة من محن الدنيا (دعانا لجنبه) أي: دعانا لكشفه مضطجعا (أو قاعدا أو قائما) أي: على أي حال كان عليها، واجتهد في الدعاء، وسؤال العافية. وليس غرضه بذلك نيل ثواب الآخرة، وإنما غرضه زوال ما هو من الألم والشدة. وقيل: إن تقديره وإذا مس الانسان الضر مضطجعا، أو قاعدا، أو قائما، دعانا لكشفه، وفيه تقديم وتأخير.
(فلما كشفنا عنه ضره) أي: فلما أزلنا عنه ذلك الضرر، ووهبنا له العافية (مر) أي: استمر على طريقته الأولى، معرضا عن شكرنا (كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) أي: كأن لم يدعنا قط لكشف ضره، ولم يسألنا إزالة الألم عنه (كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) أي: كما زين لهم الشيطان وأقرانهم الغواة، ترك الدعاء عند الرخاء، زينوا للمسرفين أي: للمشركين عملهم، عن الحسن. ويحتمل أن يكون زين المسرفون بعضهم لبعض، وإن لم يضف التزيين إليهم، فهو كقولهم فلان معجب بنفسه.
وقد حث الله سبحانه بهذه الآية الذين منحوا الرخاء بعد الشدة، والعافية بعد البلية، على أن يتذكروا حسن صنع الله إليهم، وجزيل نعمته عليهم، ويشكروه على ذلك ويسألوه إدامة ذلك لديهم، ونبه بذلك على وجوب الصبر عند المحنة احتسابا للأجر، وابتغاء للثواب والذخر.
(ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزى القوم المجرمين (13) ثم جعلناكم خلائف في