الحجة: قال ابن جني: إذا نصب فالتوبة داخلة في جواب الشرط، وإذا رفع فهو استئناف، وتقديره في النصب، إن تقاتلوهم تكن هذه الأشياء كلها التي أحدها التوبة من الله على من يشاء، والوجه قراءة الجماعة على الاستئناف، لأنه تم الكلام على قوله: (ويذهب غيظ قلوبهم) ثم استأنف فقال (ويتوب الله على من يشاء) لأن التوبة منه سبحانه على من يشاء، ليست مسببة عن قتالهم.
المعنى: ثم أكد سبحانه ما تقدم بأن أمر المسلمين بقتالهم، وبشرهم بالنصر والظفر عليهم، فقال: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) قتلا وأسرا (ويخزهم) أي:
ويذلهم (وينصركم عليهم) أي: ويعنكم أيها المؤمنون عليهم، (ويشف صدور قوم مؤمنين) يعني: صدور بني خزاعة الذين بيت عليهم بنو بكر، عن مجاهد، والسدي، لأنهم كانوا حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ويذهب غيظ قلوبهم) معناه: ويكون ذلك النصر شفاء لقلوب المؤمنين التي امتلأت غيظا لكثرة ما نالهم من الأذى من جهتهم، ثم استأنف سبحانه، فقال: (ويتوب الله على من يشاء) أي: ويقبل توبة من تاب منهم مع فرط تعديهم، رحمة وفضلا (والله عليم حكيم): عليم بتوبتهم إذا تابوا، حكيم في أمركم بقتالهم إذا نكثوا قبل أن يتوبوا ويرجعوا، لأن أفعاله كلها صواب وحكمة، وفي هذا دلالة على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وافق خبره المخبر.
النظم: والوجه في اتصال قوله (ويتوب الله على من يشاء) بما قبله شيئان:
أحدهما: البشارة بأن فيهم من يتوب ويرجع عن الكفر إلى الإيمان. والآخر: بيان أنه ليس في قتالهم اقتطاع لأحد منهم عن التوبة.
(أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون (16).
اللغة: الحسبان: قوة المعنى في النفس، من غير قطع، وهو مشتق من الحساب لدخوله فيما يحتسب به. والترك: ضد ينافي الفعل المبتدأ في محل القدرة عليه، ويستعمل بمعنى أن لا يفعل، كقوله: (وتركهم في ظلمات لا يبصرون).
والوليجة: الدخيلة في القوم من غيرهم. والبطانة، مثله. وليجة الرجل: من يختص بدخلة أمره دون الناس، الواحد والجمع فيه سواء، وكل شئ دخل في شئ