وقال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل (حجة الوداع) في ذي القعدة، ثم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام القابل (حجة الوداع)، فوافقت في ذي الحجة، فذلك حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر في خطبته: (ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان) أراد عليه السلام: الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها، وعاد الحج إلى ذي الحجة، وبطل النسئ.
(يضل به الذين كفروا) أي: يضل بهذا النسئ الذين كفروا. ومن قرأ بضم الباء فمعناه: يضلون به غيرهم، وإضلالهم أنهم فعلوا ذلك ليحللوا للناس الأشهر الحرم التي حرم الله القتال فيها، وأوجب الحج في بعضها، فيستحلون ترك الحج في الوقت الذي هو واجب فيه، ويوجبونه في الوقت الذي لا يجب فيه. وجوزوا ذلك عليه حتى ضلوا باتباعهم.
(يحلونه عاما ويحرمونه عاما) أي: يجعلون الشهر الحرام حلالا إذا احتاجوا إلى القتال فيه، ويجعلون الشهر الحلال حراما، ويقولون شهر بشهر. وإذا لم يحتاجوا إلى القتال لم يفعلوا ذلك (ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) معناه: انهم لم يحلوا شهرا من الحرم إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرموا شهرا من الحلال، إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرم، ليكون موافقة في العدد، وذلك المواطأة (زين لهم سوء أعمالهم) أي: زينت لهم أنفسهم، أو زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، عن الحسن. وقيل: معناه استحسنوا ذلك بهواهم (والله لا يهدي القوم الكافرين) مر تفسيره.
(يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (38) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما