المعنى: (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل) قيل: إنهم لما دخلوا على يعقوب، وسلموا عليه سلاما ضعيفا، فقال لهم: يا بني! ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا، وما لي لا أسمع فيكم صوت شمعون؟ فقالوا يا أبانا! إنا جئناك من عند أعظم الناس ملكا، ولم ير الناس مثله حكما، وعلما، وخشوعا، وسكينة، ووقارا، ولئن كان لك شبيه، فإنه يشبهك، ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء.
إنه اتهمنا وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بابن يامين، برسالة منك إليه، ليخبره من حزنك، وما الذي أحزنك، وعن سرعة الشيب إليك، وذهاب بصرك. وقوله (منع منا الكيل) معناه: منع منا فيما يستقبل إن لم نأته بأخينا، لقوله: (فلا كيل لكم عندي) (فأرسل معنا أخانا) ابن يامين (نكتل) أي: نأخذ الطعام بالكيل، إن أرسلته أكتلنا، وإلا فمنعنا الكيل. ومن قرأ (يكتل) بالياء: فالمعنى يأخذ أخونا ابن يامين وقر بعير، يكتال له.
(وإنا له لحافظون) من أن يصيبه سوء ومكروه (قال) يعقوب (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه من قبل) أي: لا آمنكم على ابن يامين في الذهاب به إلا كأمني على يوسف، ضمنتم لي حفظه، ثم ضيعتموه، أو أهلكتموه، أو غيبتموه عني. وإنما قرعهم بحديث يوسف، وإلا فقد كان يعلم أنهم في هذه الحال لا يفعلون ما لا يجوز (فالله خير حافظا) أي: حفظ الله خير من حفظكم (وهو أرحم الراحمين) يرحم ضعفي، وكبر سني، ويرده علي.
وورد في الخبر: إن الله سبحانه قال: فبعزتي لأردنهما إليك من بعد ما توكلت علي. (ولما فتحوا متاعهم) يعني: أوعية الطعام (وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي) أي: ما نطلب في منع أخينا عنه. وقيل: معناه ما نطلب بما أخبرناك عن ملك مصر الكذب. وقيل: معناه أي شئ نطلب وراء هذا، أوفى لنا الكيل، ورد علينا الثمن، عن قتادة. وأراد أن تطيب نفس يعقوب، فيبعث ابنه معهم. وتم الكلام ثم قالوا ابتداء (هذه بضاعتنا ردت إلينا) أي: فلا ينبغي أن نخاف على أخينا ممن قد أحسن إلينا هذا الإحسان. وقيل: المراد ما نريد منك دراهم تعطيناها نرجع بها إليه، بل تكفينا في الرجوع إليه بضاعتنا هذه، فإن الملك إذا فعلنا ما أمرنا به في أخينا، يفي بما وعدنا، وأرسله معنا (ونمير أهلنا) أي:
جلب إليهم الطعام (ونحفظ أخانا) في السفر حتى نرده إليك. (ونزداد كيل بعير)