أن يحبس أخاه، ليكون ذلك سببا لوصول خبره إلى أبيه، أي: ألهمنا يوسف هذا الكيد والحيلة، فجازيناهم على كيدهم بيوسف أي: كما فعلوا في الابتداء، فعلنا بهم. وقيل: إن معنى كدنا صنعنا ليوسف، عن ابن عباس. وقيل: ألهمنا، عن الربيع. وقيل: دبرنا ليوسف بدلالة قوله (وفوق كل ذي علم عليم) على أنه سبحانه علم من صلاح هذا التدبير ما لم يعلمه غيره عن القتيبي (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) أي: ما كان يمكنه أن يأخذ أخاه في حكم الملك وقضائه، وأن يحبسه إذ لم يكن ذلك من حكم ملك مصر وأهله، عن قتادة. وقيل: في دين الملك: في سلطانه، عن ابن عباس. وقيل: في عادته في جزاء من سرق أن يستعبد. وقيل: إنه كان عادلا، ولولا هذه الحيلة لما كان يمكنه من أخذ أخيه إلا أن يشاء الله أن يجعل ليوسف عذرا فيما فعل. وقيل: إلا أن يشاء الله أن يأمره بذلك، لأنه كان لا يمكنه أن يقول: هذا أخي، وكان لا يمكنه حبسه من غير حيلة، لأنه كان يكون فعله ظلما، وكان من سنة آل يعقوب أن يسترق، وفي حكم الملك، وأهل مصر أن يضرب ويغرم، وحبسه يوسف على قولهم، والتزم حكمهم الذي جرى على لسانهم، مبالغة في نفي السرقة عن أنفسهم، وكان ذلك مراده. وقد شاء الله، لأنه بأمره، عن الحسن. وإنما سماه كيدا، لأنه لولا هذا السبب لم يتهيأ له أخذه.
والكيد: ما يفعله فاعله ليوصل به إلى غيره ضررا من حيث لا يعلمه، أو لينال منه شيئا من غير أن يعلمه.
(نرفع درجات من نشاء) بالعلم والنبوة، كما رفعنا درجة يوسف على إخوته.
وقيل: بالتقوى، والتوفيق، والعصمة، والألطاف الجميلة (وفوق كل ذي علم عليم) يعني: إن كل عالم، فإن فوقه عالما أعلم منه، حتى ينتهي إلى الله تعالى العالم بجميع المعلومات لذاته، فيقف عليه، ولا يتعداه. وفي هذا دلالة على بطلان قول من يقول إن الله سبحانه عالم بعلم قديم، لأنه لو كان كذلك، لكان فوقه عليم على ما يقتضيه الظاهر.
(* قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون (77) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك