اللغة: الاستخلاص: طلب خلوص الشئ من شائب الاشتراك، كأنه يريد أن يكون خالصا له. وفي حديث سلمان الفارسي (رض): إنه كاتبه أهله على أربعين أوقية خلاص أي: ما أخلصته النار من الذهب. وكذلك الخلاصة، والمكين: من المكانة، وأصله التمكن في الأمر، يقال: مكن مكانة فهو مكين: إذا كان له قدر وجاه يتمكن بهما مما يروم. والتبوء: اتخاذ منزل يرجع إليه، وأصله من باء يبوء:
إذا رجع.
المعنى: (وقال الملك ائتوني به) معناه: إن الملك لما تبين له أمانة يوسف، وبراءته من السوء، وعلمه أمر بإحضاره فقال: ائتوني به (أستخلصه لنفسي) أي:
اجعله خالصا لنفسي أرجع إليه في تدبير مملكتي، وأعمل على إشارته في مهمات أموري (فلما كلمه) ههنا حذف معناه. فلما جاء الرسول يوسف، ودعاه، خرج من السجن، ودخل على الملك، وكلمه وعرف فضله وأمانته وعقله، لأنه استدل بكلامه على عقله، وبعفته على أمانته (قال إنك اليوم لدينا مكين أمين) أي: إنك عندنا ذو مكانة، متمكن في المنزلة والقدر، نافذ القول والأمر، ظاهر الأمانة، مأمون ثقة.
قال ابن عباس: يريد مكنتك من ملكي، وجعلت سلطانك فيه كسلطاني، وائتمنتك فيه. قال الكلبي: إن رسول الملك جاءه فقال له: قم فإن الملك يدعوك، وألق ثياب السجن عنك، والبس ثيابا جددا. فأقبل يوسف، وتنظف من درن السجن، ولبس ثيابه، وأتى الملك وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة. فلما رآه الملك شابا حدث السن، قال: يا غلام هذا تأويل رؤياي. ولم يعلمه السحرة، ولا الكهنة. قال:
نعم. فأقعده قدامه، وقص عليه رؤياه.
وروي أن يوسف لما خرج من السجن، دعا لأهله وقال: اللهم اعطف عليهم بقلوب الأخيار، ولا تعم عليهم الأخبار. فلذلك يكون أصحاب السجن أعرف الناس بالأخبار في كل بلدة. وكتب على باب السجن: هذا قبور الأحياء، وبيت الأحزان، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. قال وهب: ولما وقف بباب الملك، قال:
حسبي ربي من دنياي، وحسبي ربي من خلقه، عز جاره، وجل ثناؤه، ولا إله غيره. ولما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بك من شره، وشر غيره. ولما نظر إليه الملك سلم عليه يوسف بالعربية، فقال له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمي إسماعيل. ثم دعا له بالعبرانية، فقال له