لجهلهم بنظمها وترتيبها. وقال الحسن: معناه بل كذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه. وقيل: معناه بل كذبوا بما في القرآن من الجنة والنار، والبعث والنشور، والثواب والعقاب. (ولما يأتهم تأويله) أي: لم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب مما يؤول إليه أمرهم من العقوبة. وقيل: معناه إن في القرآن أشياء لا يعلموه هم، ولا يمكنهم معرفته، إلا بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يرجعوا إليه، وكذبوا به فلم يأتهم تفسيره وتأويله. فيكون معنى الآية: بل كذبوا بما لم يدركوا علمه من القرآن، ولم يأتهم تفسيره، ولو راجعوا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلموه.
وروي عن أبي عبيد الله عليه السلام أنه قال: إن الله خص هذه الأمة بآيتين من كتابه أن لا يقولوا إلا ما يعلمون، وأن لا يردوا ما لا يعلمون. ثم قرأ: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق) الآية. وقرأ: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) الآية. وقيل: إن من هنا أخذ أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله:
(الناس أعداء ما جهلوا). وأخذ قوله: (قيمة كل امرئ ما يحسنه) من قوله، عز وجل: (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم) وأخذ قوله (تكلموا تعرفوا) من قوله: (ولتعرفنهم في لحن القول).
(كذلك كذب الذين من قبلهم) أي: مثل تكذيب هؤلاء، كذبت الأمم السالفة رسلها (فانظر) يا محمد (كيف كان عاقبة الظالمين) أي: كما كان عاقبة أولئك الهلاك، كذلك يكون عاقبة هؤلاء. ثم أخبر سبحانه أن من جملة هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن، ونسبوه إلى الافتراء، من سيؤمن به في المستقبل، ويصدق بأنه من عند الله، ومنهم من يموت على كفره، فقال: (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به) وأراد سبحانه أنه إنما لا يهلكهم في الحال، لما يعلم في تبقيتهم من الصلاح. وقيل: معناه ومنهم من يؤمن بالقرآن في نفسه، ويعلم صحته، إلا أنه يعاند ويظهر من نفسه خلاف ما يعلمه، ومنهم من هو شاك فيه، فكأنه قال ومنهم معاندون، ومنهم شاكون (وربك أعلم بالمفسدين) أي: بمن يدوم على الفساد، ويعلم من يتوب.
(وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون (41) ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون (42)