فيه من تصغير شأنهم، وتضعيف كيدهم، لأن الفم يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة.
(ويأبى الله إلا أن يتم نوره) معناه ويمنع الله إلا أن يظهر أمر القرآن، وأمر الاسلام، وحجته على التمام. وأصل الإباء: المنع والامتناع دون الكراهية على ما ادعته المحبرة، ولهذا تقول العرب: فلان يأبى الضيم، وهو أبي الضيم، ولا مدحة في كراهية الضيم، لأنه يستوي فيه القوي والضعيف، وإنما المدحة في الامتناع أو المنع منه (ولو كره الكافرون) أي: على كره من الكافرين. (هو الذي أرسل رسوله) محمدا، وحمله الرسالات التي يؤديها إلى أمته (بالهدى) أي: بالحجج، والبينات، والدلائل، والبراهين (ودين الحق) وهو الاسلام، وما تضمنه من الشرائع التي يستحق عليها الجزاء بالثواب، وكل دين سواه باطل يستحق به العقاب (ليظهره على الدين كله) معناه: ليعلي دين الاسلام على جميع الأديان بالحجة، والغلبة، والقهر لها، حتى لا يبقى على وجه الأرض دين إلا مغلوبا، ولا يغلب أحد أهل الاسلام بالحجة، وهم يغلبون أهل سائر الأديان بالحجة.
وأما الظهور بالغلبة فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك، ولحقهم قهر من جهتهم. وقيل: أراد عند نزول عيسى بن مريم، لا يبقى أهل دين إلا أسلم، أو أدى الجزية، عن الضحاك. وقال أبو جعفر عليه السلام: إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمد، وهو قول السدي.
وقال الكلبي: لا يبقى دين إلا ظهر عليه الاسلام، وسيكون ذلك ولم يكن بعد، ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك. وقال المقداد بن الأسود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الاسلام، إما بعز عزيز، وإما بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، وإما يذلهم فيدينون له. وقيل: إن الهاء في (ليظهره) عائدة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أي: ليعلمه الله الأديان كلها حتى لا يخفى عليه شئ منها، عن ابن عباس (ولو كره المشركون) أي: وإن كرهوا هذا الدين، فإن الله يظهره رغما لهم.
(* يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون