أي: لا وفاء له بالعهد. ومن قرأ بالكسر فمعناه: لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد، ويحتمل أن يكون معناه أنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به، ويحتمل أن يكون معناه أنهم كفروا فلا إيمان لهم.
(لعلهم ينتهون) معناه: قاتلوهم لينتهوا عن الكفر، فإنهم لا ينتهون عنه بدون القتال. وقيل: معناه ليكن قصدكم في قتالكم انتهاؤهم عن الشرك. فإن قيل: كيف نفى بقوله (لا أيمان لهم) ما أثبته بقوله (وان نكثوا أيمانهم)؟ قيل له: إن الأيمان التي أثبتها، هي ما حلفوا بها، وعقدوا عليها، وإنما نفاها من بعد، لأنهم لم يفوا بها، ولم يتمسكوا بموجبها (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا باخراج الرسول): الألف للاستفهام، والمراد به التحضيض والإيجاب، ومعناه: هلا تقاتلونهم، وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها. واختلف في هؤلاء، فقيل: هم اليهود الذين نقضوا العهد، وخرجوا مع الأحزاب، وهموا باخراج الرسول من المدينة، كما أخرجه المشركون من مكة، عن الجبائي، والقاضي. وقيل: هم مشركو قريش، وأهل مكة (وهم بدؤوكم أول مرة) أي: بدؤوكم بنقض العهد، عن ابن إسحاق والجبائي. وقيل: بدؤوكم بقتال حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن خزاعة، عن الزجاج.
وقيل: بدؤوكم بالقتال يوم بدر، وقالوا حين سلم العير: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا، ومن معه (أتخشونهم) أي: أتخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه، لفظه استفهام والمراد به تشجيع المؤمنين، وفي ذلك غاية الفصاحة، لأنه جمع بين التقريع والتشجيع. (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) المعنى: لا تخشوهم، ولا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم، فإنه سبحانه أحق أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم، إن كنتم مصدقين بعقاب الله وثوابه، أي: إن كنتم مؤمنين فخشية الله أحق بكم من خشية غيره، والله أعلم وأحكم.
(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين (14) ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم (15).
القراءة: في الشواذ قراءة الأعرج، وابن أبي إسحاق، وعيسى الثقفي، وعمرو بن عبيد: (ويتوب الله) بالنصب، ورويت عن أبي عمرو أيضا.