الذي تتلوه علينا، (أو بدله) فاجعله على خلاف ما تقرؤه. والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه، وتبديله لا يكون إلا برفعه. وقيل: معنى قوله بدله: غير أحكامه من الحلال أو الحرام، أرادوا بذلك زوال الحظر عنهم، وسقوط الأمر منهم، وأن يخلي بينهم وبين ما يريدونه.
(قل) يا محمد (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) أي: من جهة نفسي، وناحية نفسي، ولأنه معجز فلا أقدر على الإتيان بمثله (إن اتبع إلا ما يوحى إلي) أي: ما أتبع إلا الذي أوحى إلي (إني أخاف إن عصيت ربي) في اتباع غيره (عذاب يوم عظيم) أي: يوم القيامة. ومن استدل، بهذه الآية على أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز، فقد أبعد، لأنه إذا نسخ القرآن بالسنة، وما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه يقوله بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن، ولم يبدله من قبله نفسه، بل يكون تبديله من قبل الله تعالى، ولكن لا يكون قرآنا، ويؤيد ذلك قوله (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).
(قل) يا محمد (لو شاء الله ما تلوته عليكم) معناه: لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم، بأن كان لا ينزله علي (ولا أدراكم به) أي: ولا أعلمكم الله به، بأن لا ينزله علي، فلا أقرأه عليكم، فلا تعلمونه (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله) أي: فقد مكثت وأقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن، فلم أقرأه عليكم، فلا تعلمونه، ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله تعالى به (أفلا تعقلون) أي: أفلا تتفكرون فيه بعقولكم، فتعلموا أن المصلحة فيما أنزله الله تعالى دون ما تقرؤونه.
قال علي بن عيسى: العقل هو العلم الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب، والناس يتفاضلون فيه بالأمر المتفاوت، فبعضهم أعقل من بعض إذا كان أقدر على الاستدلال من بعض (فمن أظلم ممن افترى على الله) أي: لا أحد أظلم ممن اخترع على الله (كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون) أي: المشركون، عن الحسن. فإن قيل: أليس من ادعى الربوبية أعظم ظلما من المدعي للنبوة؟
قلنا: إن المراد بقوله (من افترى على الله كذبا) من كفر بالله تعالى، فقد دخل فيه من ادعى الربوبية، وغيره من أنواع الكفار، فكأنه قال لا أحد أظلم من الكافر.
(ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون