إيمانا كما قال إبراهيم عليه السلام حين قال له: (أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) فالزيادة في التعريف ليست مما يبطل صحة العقيدة، وإنما أمر سبحانه بسؤال أهل الكتاب، مع جحد أكثرهم لنبوته، فيه قولان أحدهما: إنه أمره بأن يسأل مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وتميم الداري، وأشباههم، عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك والآخر: إن المراد: سلهم عن صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المبشر به في كتبهم، ثم انظر فيما وافق تلك الصفة. وهذا القول أقوى لأن هذه السورة مكية، وابن سلام، وغيره، إنما أسلموا بالمدينة. وقال الزهري: إن هذه الآية نزلت في السماء، فإن صح ذلك فقد كفي المؤونة. ورواه أصحابنا أيضا، عن أبي عبد الله عليه السلام. وقيل أيضا: إن المراد بالشك: الضيق والشدة بما يعانيه من نعتهم وأذاهم أي: ان ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك (فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك) كيف صبر الأنبياء على أذى قومهم، فاصبر كذلك (لقد جاءك الحق من ربك) يعني بالحق: القرآن، والإسلام (فلا تكونن من الممترين) أي:
الشاكين (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله) أي من جملة من يجحد آيات الله، ولا يصدق بها (فتكون من الخاسرين) أي: فإنك ان فعلت ذلك كنت من الخاسرين، ولم يقل من الكافرين، لأن الانسان قد علم شدة تحسره وتأسفه على خسران ماله، فكيف إذا خسر دينه ونفسه.
(ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) معناه: إن الذين أخبر الله عنهم بغير شرط، أنهم لا يؤمنون، فنفى الإيمان عنهم، ولم ينف عنهم القدرة عليه، فإن نفي الفعل لا يكون نفيا للقدرة عليه، كما أن الله سبحانه نفى عن نفسه مغفرة المشركين، ولم يكن ذلك نفيا لقدرته على مغفرتهم. وقيل: معناه إن الذين وجب عليهم سخط ربك، عن قتادة. وقيل: معناه وجب عليهم وعيد ربك (ولو جاءتهم كل آية) أي: كل معجزة ودلالة مما يقترحونها (حتى يروا العذاب الأليم) الموجع، فيصيروا ملجأين إلى الإيمان. وفي هذا إعلام بأن هؤلاء الكفار لا لطف لهم في المعلوم، يؤمنون عنده إيمان اختيار.
(فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين (98)