ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهم من الأوس والخزرج، وكان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه، وإنما تخلف توانيا عن الاستعداد، حتى فاته، المسير، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: والله ما لي من عذر، ولم يعتذر إليه بالكذب، فقال عليه السلام: صدقت، فمر حتى يقضي الله فيك. وجاء الآخران فقالا مثل ذلك، وصدقا. فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن مكالمتهم، وأمر نساءهم باعتزالهم، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأقاموا على ذلك خمسين ليلة، وبنى كعب خيمة على سلع (1) يكون فيها وحده، وقال في ذلك:
أبعد دور بني القين الكرام، وما شادوا علي، بنيت البيت من سعف (2) ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل، وهو قوله تعالى (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) الآية. فأصبح المسلمون يبتدرونهم ويبشرونهم. قال كعب: فجئت إلى رسول الله في المسجد، وكان عليه السلام إذا سر يستبشر، كأن وجهه فلقة قمر، فقال لي ووجهه يبرق من السرور: أبشر بخير يوم طلع عليك شرقه منذ ولدتك أمك! قال كعب فقلت: أمن عند الله. أم من عندك يا رسول الله؟ فقال: من عند الله.
وتصدق كعب بثلث ماله شكرا لله على توبته.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما قبله من قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) فقال: (وآخرون مرجون لأمر الله) أي: مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) لفظة (إما) وقوع أحد الشيئين، والله سبحانه عالم بما يصير إليه أمرهم، ولكنه سبحانه خاطب العباد بما عندهم، ومعناه: ولكن كان أمرهم عندكم على هذا أي: على الخوف والرجاء.
وهذا يدل على صحة مذهبنا في جواز العفو عن العصاة، لأنه سبحانه بين أن قوما من العصاة يكون أمرهم إلى الله تعالى، إن شاء عذبهم، وإن شاء قبل توبتهم، فعفا عنهم، ويدل أيضا على أن قبول التوبة تفضل من الله سبحانه، لأنه لو كان واجبا لما جاز تعليقه بالمشيئة (والله عليم) بما يؤول إليه حالهم (حكيم) فيما يفعله بهم.
(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين