نعيما لا يفنى، وتاقت نفسه إلى الجنة، فتمنى الموت، ودعا به، ولم يتمن ذلك نبي قبله، ولا بعده تمنى أحد، فقال (رب قد آتيتني من الملك) أي: أعطيتني ملك النبوة، وملك مصر (وعلمتني من تأويل الأحاديث) أي: تأويل الرؤيا (فاطر السماوات والأرض) أي: خالق السماوات والأرض، ومنشئهما لا على مثال سبق (أنت وليي) أي: ناصري، ومدبري، وحافظي (في الدنيا والآخرة) تتولى فيهما إصلاح معاشي، ومعادي (توفني مسلما) قال ابن عباس: ما تمنى نبي تعجيل الممات إلا يوسف، لما انتظمت أسباب مملكته، اشتاق إلى ربه. وقيل. معناه ثبتني على الإيمان إلى وقت الممات، وأمتني مسلما.
(وألحقني بالصالحين) أي: بأهل الجنة من الأنبياء، والأولياء، والصديقين.
وقيل: لما جمع الله سبحانه بينه وبين أبويه وإخوته، أحب أن يجتمع مع آبائه في الجنة، فدعا بذا الدعاء. والمعنى: ألحقني بهم في ثوابهم ودرجاتهم. قيل: فتوفاه الله تعالى بمصر وهو نبي، فدفن في النيل في صندوق من رخام، وذلك أنه لما مات، تشاح الناس عليه، كل يحب أن يدفن في محلته، لما كانوا يرجون من بركته، فرأوا أن يدفنوه في النيل، فيمر الماء عليه ثم يصل إلى جميع مصر، فيكون كلهم فيه شركاء، وفي بركته شرعا سواء. فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى عليه السلام حين خرج من مصر.
ثم عاد سبحانه بعد تمام القصة إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (ذلك) أي: الذي قصصت عليك من قصة يوسف يا محمد (من أنباء الغيب) أي: من جملة أخبار الغيب (نوحيه إليك) على ألسنة الملائكة، لتخبر به قومك، ويكون دلالة على إثبات نبوتك، ومعجزة دالة على صدقك (وما كنت لديهم) أي: وما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب (إذ أجمعوا أمرهم) إذ عزموا على إلقائه في البئر، واجتمعت آراؤهم عليه (وهم يمكرون) أي: يحتالون في أمر يوسف، حتى ألقوه في الجب، عن الجبائي. وقيل: يمكرون بيوسف، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة.
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (103) وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين (104) وكأين من آية في السماوات والأرض