عليه، وأجرى على مالكه صفة الرب، لأنه عبده، فأضافه إليه كما يقال: رب الدار، ورب الضيعة (وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) يريد بالآخر:
صاحب الطعام. روي أنه قال: بئس ما رأيت. أما السلال الثلاث، فإنها ثلاثة أيام تبقى في السجن، ثم يخرجك الملك، فيصلبك، فتأكل الطير من رأسك. فقال عند ذلك: ما رأيت شيئا، وكنت ألعب!! فقال يوسف (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) أي: فرغ من الأمر الذي تسألان وتطلبان معرفته، وما قلته لكما فإنه نازل بكما، وهو كائن لا محالة. وفي هذا دلالة على أنه كان يقول ذلك على جهة الإخبار عن الغيب، بما يوحى إليه، لا كما يعبر أحدنا الرؤيا على جهة التأويل (وقال) يوسف (للذي ظن أنه ناج منهما) معناه: للذي علم من طريق الوحي، أنه ناج أي متخلص كما في قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) هذا قول الأكثرين، واختيار الجبائي. وقال قتادة: للذي ظنه ناجيا، لأنه لا يحكم بصدقه فيما قصه من الرؤيا. والأول أصح.
(أذكرني عند ربك) أي: اذكرني عند سيدك بأني محبوس ظلما (فأنساه الشيطان ذكر ربه) يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال، حتى استغاث بمخلوق، فالتمس من الناجي منهما أن يذكره عند سيده، وكان من حقه أن يتوكل في ذلك على الله سبحانه (فلبث في السجن بضع سنين) أي: سبع سنين، عن ابن عباس. وروي ذلك، عن علي بن الحسين عليه السلام، وأبي عبد الله عليه السلام.
وقيل: معناه فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف عند الملك، فلم يذكره حتى لبث في السجن، عن الحسن، ومحمد بن إسحاق، والجبائي، وأبي مسلم. وعلى هذا فتقديره: فأنساه الشيطان ذكر يوسف عند ربه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
عجبت من أخي يوسف عليه السلام كيف استغاث بالمخلوق دون الخالق! وروي أنه عليه السلام قال: لولا كلمته، ما لبث في السجن طول ما لبث! يعني قوله (اذكرني عند ربك) ثم بكى الحسن، وقال: إنا إذا أنزل بنا أمر فزعنا إلى الناس.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء جبرائيل عليه السلام فقال: يا يوسف! من جعلك أحسن الناس؟ قال: ربي. قال: فمن حببك إلى أبيك دون إخوانك؟ قال:
ربي. قال: فمن ساق إليك السيارة؟ قال: ربي. قال: فمن صرف عنك الحجارة؟ قال: ربي. قال: فمن أنقذك من الجب؟ قال: ربي. قال: فمن