ليس ينكر أن يكون الله جعل لهم الملك والسلطان ووسع عليهم التوسعة التي يكون الانسان بها ملكا. وقال المؤرج: معناه - بلغة كنانة وهذيل - جعلكم أحرارا. وقال أبو علي: الملك هو الذي له ما يستغني به عن تكلف الاعمال وتحمل المشاق، والتسكع في المعاش. وقال ابن عباس، ومجاهد: جعلوا ملوكا بالمن والسلوى والحجر والغمام. وزاد الجبائي: وبغير ذلك من الأموال. وقال قوم: ملكوا أنفسهم بالتخلص من الغيظ.
وقوله: (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) يعني أعطاكم ما لم يعط أحدا من عالمي زمانهم. وهو قول الحسن والبلخي. وقال أبو علي: أعطاكم ما لم يعط أحدا من العالمين أي من اجتماع هذه الأمور وكثرة الأنبياء فيهم، والآيات التي جاءتهم، إنزال المن والسلوى عليهم. وهو قول الفراء والزجاج.
وقال ابن عباس ومجاهد والحسن: هذا خطاب موسى لامته - وهو الأظهر - وقال سعيد بن جبير، وأبو مالك: هو خطاب من الله لامة محمد صلى الله عليه وآله. وإنما قلنا: أن الأول أولى لان الله أخبر حاكيا عن موسى (ع) أنه قال لهم " اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) ثم عطف على ذلك قوله:
(وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) فالعدول عن ذلك من غير ضرورة لا يجوز.
وقوله: " أنبياء " لا ينصرف في معرفة ولا نكرة لان علامة التأنيث فيها لازمة مثل حمراء تأنيث أحمر. ويخالف ذلك علامة التأنيث في طلحة وقائمة تأنيث قائم فلذلك انصرف هذا في النكرة دون المعرفة.