المضر كأنه قال: ما فعله إلا قليل منهم. وهذا يجوز في النفي دون الاثبات، لأنه لا يجوز أن يقول فعله إلا قليل منهم، لان الفعل ليس للقليل في الاثبات كما هو لهم في النفي. وقال الكسائي: ارتفع بالتكرار. والمعنى ما فعلوه ما فعله إلا قليل.
ومن نصب فإنه قال: الاستثناء بعد تمام الكلام، لان قوله: " ما فعلوه " كلام تام كما أن قولك فعل القوم كلام تام. فاستثنى بعده، ولم يجعل ما بعد إلا عليه الاعتماد. والوجه الرفع، لان الفعل لهم. فهو أدل على المعنى. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي " إن اقتلوا " بضم النون وبضم الواو في قوله: " أو اخرجوا " وقرأ عاصم وحمزة بكسرهما وكسر النون. وضم الواو أبو عمرو. فمن ضمهما فلان الثالث مضموم أنبع الضمة. ومن كسرهما فعلى أصل الحركة لالتقاء الساكنين.
وأبو عمرو ضم الواو تشبيها بواو " اشتروا الضلالة " (1). " ولا تنسوا الفضل بينكم " (2).
المعنى:
ومعنى قوله: (ولو أنا كتبنا عليهم) أي لو أنا ألزمناهم وأوجبنا عليهم " أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم " أي لو كتبنا عليهم ذلك - كما أوجبنا على قوم موسى وقتلوا أنفسهم وأخرجهم إلى التيه - ما فعله هؤلاء للمشقة التي فيه مع أنه كان ينبغي أن يفعلوه، لما لهم فيه من الحظ، لأنا لم نكن لنأمرهم به إلا لما تقضيه الحكمة، وما فيه من المصلحة مع تسهيلنا تكليفهم وتيسيرنا عليهم، فما يقعدهم عنه مع تكامل أسباب الخير فيه وسهولة طريقة؟ ولو فعلوا ما يوعظون به أي ما يؤمرون به، لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا. وقيل في معناه قولان:
أحدهما - ان البصيرة أثبت من اعتقاد الجهالة لما يعتري فيها من الحيرة واضطراب النفس الذي يتميز من حال المعرفة بسكون النفس إليه.
الثاني - ان اتباع الحق أثبت منفعة لان الانتفاع بالباطل يضمحل بما يعقب