ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الاثبات: ومنهم قتادة الذي كان احفظ أهل زمانه ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في الحديث وتلقاه الأئمة بالقبول ولم يضعفه أحد بحجة الا من ركب هواه وحمله فرط التعصب على أن علله ورد باختلاف ألفاظه مع أنها ليست مختلفة بل يصدق بعضها بعضا كما بينا وعارضه بمثل حديث بن عمر الموضوع أو بمثل حديث معاوية الضعيف ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا فجعل الصحيح ضعيفا والضعيف صحيحا والمعلل سالما من التعليل والسالم من التعليل معللا سقط الكلام وهذا ليس بعدل والله يأمر بالعدل وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر اعراض أصحاب الجوامع الصحيحة والسنن المعروفة والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم ومسائل الدين فالبخاري رحمه الله مع شدة تعصبه وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثا واحدا ولا كذلك مسلم رحمه الله فإنهما لم يذكرا في هذا الباب الا حديث أنس الدال على الإخفاء ولا يقال في دفع ذلك انهما لم يلتزما ان يودعا في صحيحيهما كل حديث صحيح يعني فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة وهذا لا يقوله الا سخيف أو مكابر فان مسألة الجهر بالبسملة من اعلام المسائل ومعضلات الفقه ومن أكثرها دورانا في المناظرة وجولانا وفي في المصنفات والبخاري كثير التتبع لما يرد على أبي حنيفة من السنة فيذكر الحديث ثم يعرض بذكره فيقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وقال بعض الناس كذا وكذا يشير ببعض الناس إليه ويشنع لمخالفة الحديث عليه وكيف يخلى كتابه أحاديث الجهر بالبسملة وهو يقول في أول كتابه باب الصلاة من الإيمان ثم يسوق أحاديث الباب ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله:
إن الأعمال ليست من الإيمان مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء ومسألة الجهر يعرفها عوام الناس ورعاعهم هذا مما لا يمكن بل يستحيل وانا احلف بالله وبالله لو اطلع البخاري على حديث منها موافق بشرطه أو قريبا من شرطه لم يخل منه كتابه ولا كذلك مسلم رحمه الله ولئن سلمنا فهذا أبو داود والترمذي وابن ماجة مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا منها شيئا فلولا انها عندهم واهية بالكلية لما تركوها وقد تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة