غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة الا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا يؤيد التأويل الأول وان الذي يغنم يرجع باجر لكنه أنقص من أجر من لم يغنم فتكون الغنيمة في مقابلة جزاء من أجر الغزو فإذا قوبل أجر الغانم بما حصل له من الدنيا وتمتعه به باجر من لم يغنم مع اشتراكهما في التعب والمشقة كان أجر من غنم دون أجر من لم يغنم وهذا موافق لقول خباب في الحديث الصحيح الآتي فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا الحديث واستشكل بعضهم نقص ثواب المجاهد بأخذه الغنيمة وهو مخالف لما يدل عليه أكثر الأحاديث وقد اشتهر تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بحل الغنيمة وجعلها من فضائل أمته فلو كانت تنقص الاجر ما وقع التمدح بها وأيضا فان ذلك يستلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أحد مثلا مع أن أهل بدر أفضل بالاتفاق وسبق إلى هذا الاشكال ابن عبد البر وحكاه عياض وذكر أن بعضهم أجاب عنه بأنه ضعف حديث عبد الله بن عمرو لأنه من رواية حميد بن هانئ وليس بمشهور وهذا مردود لأنه ثقة يحتج به عند مسلم وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما ولا يعرف فيه تجريح لاحد ومنهم من حمل نقص الاجر على غنيمة أخذت على غير وجهها وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الاطناب في رده إذ لو كان الامر كذلك لم يبق لهم ثلث الاجر ولا أقل منه ومنهم من حمل نقص الاجر على من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضا وفيه نظر لان صدر الحديث مصرح بأن المقسم راجع إلى من أخلص لقوله في أوله لا يخرجه الا ايمان بي وتصديق برسلي وقال عياض الوجه عندي اجراء الحديثين على ظاهرهما واستعمالهما على وجههما ولم يجب عن الاشكال المتعلق بأهل بدر وقال ابن دقيق العيد لا تعارض بين الحديثين بل الحكم فيهما جار على القياس لان الأجور تتفاوت بحسب زيادة المشقة فيما كان أجره بحسب مشقته إذ للمشقة دخول في الاجر وانما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم يعني فلو كانت تنقص الاجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها فيمكن أن يجاب بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض لان أخذ الغنائم أول ما شرع كان عونا على الدين وقوة لضعفاء المسلمين وهي مصلحة عظمي يغتفر لها بعض النقص في الاجر من حيث هو وأما الجواب عمن استشكل ذلك بحال أهل بدر فالذي ينبغي أن يكون التقابل بين كمال الاجر ونقصانه لمن يغزو بنفسه إذا لم يغنم أو يغزو فيغنم فغايته أن حال أهل بدر مثلا عند عدم الغنيمة أفضل منه عند وجودها ولا ينفي ذلك أن يكون حالهم أفضل من حال غيرهم من جهة أخرى ولم يرد فيهم نص أنهم لو لم يغنموا كان أجرهم بحاله من غير زيادة ولا يلزم من كونه مغفورا لهم وأنهم أفضل المجاهدين أن لا يكون وراءهم مرتبة أخرى وأما الاعتراض بحل الغنائم فغير وارد إذ لا يلزم من الحل ثبوت وفاء الاجر لكل غاز والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلاءها من الكفار يحصل الثواب ومع ذلك فمع صحة ثبوت الفضل في أخذ الغنيمة وصحة التمدح بأخذها لا يلزم من ذلك ان كل غاز يحصل له من أجر غزاته نظير من لم يغنم شيئا البتة (قلت) والذي مثل باهل بدر أراد التهويل والا فالامر على ما تقرر آخرا بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجرا مما لو لم يحصل لهم أجر الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد
(٧)