جمع معدن وهو الشئ المستقر في الأرض فتارة يكون نفيسا وتارة يكون خسيسا وكذلك الناس (قوله خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام) وجه التشبيه ان المعدن لما كان إذا استخرج ظهر ما اختفى منه ولا تتغير صفته فكذلك صفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس فان أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية وأما قوله إذا فقهوا ففيه إشارة إلى أن الشرف الاسلامي لا يتم الا بالتفقه في الدين وعلى هذا فتنقسم الناس أربعة أقسام مع ما يقابلها الأول شريف في الجاهلية أسلم وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه الثاني شريف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية لم يسلم وتفقه الثالث شريف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ثم تفقه الرابع شريف في الجاهلية لم يسلم وتفقه ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه فارفع الأقسام من شرف في الجاهلية ثم أسلم وتفقه ويليه من كان مشروفا ثم أسلم وتفقه ويليه من كان شريفا في الجاهلية ثم أسلم ولم يتفقه ويليه من كان مشروفا ثم أسلم ولم يتفقه وأما من لم يسلم فلا اعتبار به سواء كان شريفا أو مشروفا سواء تفقه أو لم يتفقه والله أعلم والمراد بالخيار والشرف وغير ذلك من كان متصفا بمحاسن الأخلاق كالكرم والعفة والحلم وغيرها متوقيا لمساويها كالبخل والفجور والظلم وغيرها (قوله إذا فقهوا) بضم القاف ويجوز كسرها * ثانيها (قوله ويجدون خير الناس في هذا الشأن) أي الولاية والامرة وقوله أشدهم له كراهية اي ان الدخول في عهدة الامرة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه وانما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدين لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه وأما قوله في الطريق التي بعد هذه وتجدون من خير الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه فإنه قيد الاطلاق في الرواية الأولى وعرف ان من فيه مراده وان من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الاطلاق وأما قوله حتى يقع فيه فاختلف في مفهومه فقيل معناه ان من لم يكن حريصا على الامرة غير راغب فيها إذا حصلت له بغير سؤال تزول عنه الكراهة فيها لما يرى من اعانة الله له عليها فيأمن على دينه ممن كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها ومن ثم أحب من أحب استمرار الولاية من السلف الصالح حتى قاتل عليها وصرح بعض من عزل منهم بأنه لم تسره الولاية بل ساءه العز وقيل المراد بقوله حتى يقع فيه أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه وقيل معنا ان العادة جرت بذلك وان من حرص على الشئ ورغب في طلبه قل أن يحصل له ومن أعرض عن الشئ وقلت رغبته فيه يحصل له غالبا والله أعلم * ثالثها (قوله وتجدون شر الناس ذا الوجهين) سيأتي شرحه في كتاب الأدب فقد أورده من وجه آخر مستقلا * الحديث الرابع يشتمل على أربعة أحاديث الثلاثة المذكورة في الذي قبله و رابعها (قوله الناس تبع لقريش) قيل هو خبر بمعنى الامر ويدل عليه قوله في رواية أخرى قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه عبد الرزاق باسناد صحيح لكنه مرسل وله شواهد وقيل هو خبر على ظاهره والمراد بالناس بعض الناس وهم سائر العرب من غير قريش وقد جمعت في ذلك تأليفا سميته لذة العيش بطرق الأئمة من قريش وسأذكر مقاصده في كتاب الأحكام مع ايضاح هذه المسئلة قال عياض استدل الشافعية
(٣٨٥)