فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا، وقال: علي بياسر الخادم. فجاء ياسر، فنظر إليه المأمون، وقال: ويلك! ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟
قال: صدقت يا أمير المؤمنين! فضرب بيده على صدره وخده، وقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، هلكنا بالله، وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الأبد.
ويلك يا ياسر! فانظر ما الخبر والقصة عنه (عليه السلام)؟ وعجل على بالخبر، فإن نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
فخرج ياسر، وأنا ألطم حر وجهي، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر، فقال:
البشرى يا أمير المؤمنين!
قال: لك البشرى، فما عندك؟
قال ياسر: دخلت عليه، فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج (1) وهو يستاك.
فسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله! أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه، وأتبرك به، وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده، هل به أثر السيف؟
فوالله! كأنه العاج الذي مسه صفرة، ما به أثر.
فبكى المأمون طويلا، وقال: ما بقي مع هذا شئ، إن هذا لعبرة للأولين والآخرين. وقال: يا ياسر! أما ركوبي إليه، وأخذي السيف، ودخولي عليه فإني ذاكر له، وخروجي عنه فلست أذكر شيئا غيره، ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟
لعن الله هذه الابنة لعنا وبيلا. تقدم إليها وقل لها: يقول لك أبوك: والله! لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت، أو خرجت بغير إذنه، لأنتقمن له منك.