هذا ما عثرنا عليه من الأحاديث التي استدل بها للمنع، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرم كتابة الحديث بل أمر بإحراق ما كتبوه، ولكن يرد على هذا التعليل والاستدلال أمور:
الأول: ضعف هذه الأحاديث بما نقلناه من ضعف رواتها، مضافا إلى أن جلها ينتهي إلى رجل واحد - وهو زيد بن أسلم - وقد ذكرنا ما فيه من الضعف لا سيما أنه مولى من حرم الكتابة وحرق الأحاديث.
الثاني: قوة الأحاديث المعارضة المتقدمة مع تأيده بالعقل والنقل والكتاب والإجماع، قال العلامة المجلسي رحمه الله تعالى بعد نقل حديث أبي سعيد عن مسلم: " ولا ريب أن تحريم الكتابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) باطل باتفاق أهل الاسلام " (1).
الثالث: أنه لو كان النهي صادرا عن النبي (صلى الله عليه وآله) كما زعموا، فإذا لا معنى للمشاورة التي صدرت عن الخليفة، حيث شاور الصحابة الكرام في كتابة السنة فأشاروا عليه بكتابتها.
وأي وجه لترخيص الصحابة مع نهي النبي (صلى الله عليه وآله) كما يزعمون، وما كان للخليفة ولا لهم الخيرة بعد أن قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحرمة.
وأي تردد وشك حصل للخليفة بعد تحريم الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى ما زال يستخير شهرا على مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى عزم الله له على طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
ثم كيف لم يتكلم أحد من هؤلاء الذين سمعوا نهي النبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد وعلى المنبر، ولم يقل للخليفة ولا للصحابة الذين يتشاورون: إن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك وشدد وعلل؟