قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بحول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمحسة، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.
لا تصحبه الأوقات ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات سابق الأوقات كونه والعدم وجوده والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة والجلاية بالبهم والحسو بالبلل، والصرد بالحرور.
مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها، و بتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله تعالى: " ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها دالة بتفاوتها، أن لا تفاوت لمفاوتها مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها.
حجب بعضها عن بعض، ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معنى الربوبية إذ لأمر بوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، معنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع، ليس مذ خلق استحق معنى الخالق، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البرائية، كيف ولا تغيبه " مذ " ولا تدنيه " قد " ولا يحجبه " لعل " ولا توقته " متى " ولا يشتمله " حين " ولا تقاربه " مع ".
إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظائرها، وفي الأشياء يوجد أفعالها منعتها مذ القديمة وحمتها قد مذ الأزلية، لولا الكلمة افترقت فدلت على مفرقها وتباينت فأعربت عن مبانيها لما تجلى صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الأوهام: وفيها أثبت غيره، ومنها أنبط الدليل. وبها عرفها الاقرار وبالعقول يعتقد التصديق بالله.
وبالاقرار يكمل الايمان به، ولا ديانة إلا بعد معرفة، ولا معرفة إلا بالاخلاص ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفى مع إثبات الصفات للتشبيه، فكل ما في الخلق لا يوجد