لا يخلو إما أن يكون متصفا بالعقل وأن أمره صدر عن إرادة جازمة أو غير ذلك، ولا سبيل لك إلى الثاني لقوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى) (1)، ولكن كلمة صاحبك تدل على ذلك وهي المنكر الذي نحن بصدد الاعتراض عليه، ومن الأول يلزم وجوب اتباع أوامره، والانقياد إلى إرادته، وقبول أقواله لأنه واجب الطاعة في جميع الأحوال فلا يسوغ الاجتهاد حينئذ لأن الأمر الواقع عنه إيجاب لما أمر به فيكون أيضا يقتضي وجوب العمل به فالراد عليه يكون رادا لجميع الأوامر الشرعية، وذلك على حد الشرك نعوذ بالله.
وما أعجب حالكم تستدلون على إمامة أبي بكر بتقديم النبي - صلى الله عليه وآله - في مرض الموت في الصلاة وتجعلون ذلك حجة لكم في وجوب اتباعه، وتجعلون الأمر منه بالكتاب الذي فيه هدي الأمة وعدم حصول الاختلاف بينهم محل الهذيان والهذر وتسوغون لعمر أن يمنع منه بالاجتهاد لجواز أن يكون هذرا وهذيانا في اجتهاده، فكيف لا يحتمل الأمر في ذلك مثله، إن هذا إلا قلة الأنصاف والخبط، وأعجب من هذا أنكم تستدلون على خلافة عمر بأن أبا بكر نص عليه بها مع أن ذلك وقع منه في حال المرض بإجماع الكل، فكيف لم تحمل كلام أبي بكر على الهذيان وتحمل كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على ذلك؟ فهل كان أبو بكر أكمل من النبي - صلى الله عليه وآله - وأتم؟! وما أحسن قول بعضهم في هذا المعنى شعرا:
أوصى النبي فقال قائلهم * قد ضل يهجر سيد البشر