المناظرات في الإمامة - الشيخ عبد الله الحسن - الصفحة ٨٧
وسعيدا، ثم اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم -، فانتخبه بعلمه، واصطفاه برسالته، وائتمنه على وحيه، وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا ووكيلا فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب - عليه السلام - صدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه كل هول، وحارب حربه، وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة، وعمه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه (1) الذاب عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعن حوزته،

(١) هو: عبد مناف - قيل عمران -، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - كافله وكاشف كربه، وأبو الأئمة الأطهار - عليهم السلام -، وهو الذي كفل الرسول صغيرا وحماه وحاطه كبيرا ومنعه من مشركي قريش ولقى لأجله عناءا عظيما وقاسى بلاء شديدا، وصبر على نصره والقيام بأمره، وقد جاء في الخبر أنه لما توفي أبو طالب أوحى الله للنبي - صلى الله عليه وآله - وقيل له اخرج منها فقد مات ناصرك.
فقد كان - عليه السلام - بحق نعم الناصر والكافل والمحامي المجاهد بالنفس والولد والأهل، وإلى هذا، يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في ميميته العصماء:
ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما والأدلة والشواهد على إيمان أبي طالب - عليه السلام - ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار لا تخفى على من له أدنى بصيرة إلا أن حاسدي ومبغضي أمير المؤمنين - عليه السلام - يأبوا إلا أن يكفروه حسدا وحقدا.
أن يحسدوك على علاك فإنما * متسافل الدرجات يحسد من علا وذلك مع وجود الأدلة الواضحة، والشواهد اللائحة والتي منها: مواقفه المشهورة تجاه النبي - صلى الله عليه وآله - والتي تدل على إيمانه العميق بوحدانية الله تعالى وبرسالة رسوله الكريم ومن تلك الدلائل الواضحة على إيمانه هو: أن فاطمة بنت أسد - عليها السلام - من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات، وأن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر، وكان أمير المؤمنين - عليه السلام - يأمر أن يحج عن عبد الله وأبيه وأبي طالب، ولا يحج عن كافر. وتولى هو - عليه السلام - غسل أبيه، والمسلم لا يجوز له أن يتولى غسل الكافر.
ومن الشواهد الدالة على إيمانه، الأشعار التي تضمنت إقراره بالله تعالى وبالنبي - صلى الله عليه وآله - وحيث أنه لا فرق بين أن يكون هذا الإقرار في النثر أو الشعر.
فمنها قوله - عليه السلام -:
نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلالا كلمع البروق أذب وأحمي رسول الإله * حماية حام عليه شفيق ومنها أيضا قوله:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد بالتراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر بذاك وقر منك عيونا وعرضت دينا قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية دينا وإنما لم يظهر الإسلام ويجاهر به، لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي - صلى الله عليه وآله - ما تهيأ له.
ومن تلك الأدلة أيضا إجماع أهل البيت، الأئمة الطاهرين - عليهم السلام - الذين هم كسفينة نوح، من ركبها نجى ومن تأخر عنها غرق وهوى، وهم العترة الذين من تمسك بهم لن يضل أبدا.
ومما ورد عنهم في ذلك: ما ورد عن عبد العظيم بن عبد الله العلوي أنه كان مريضا فكتب إلى أبي الحسن الرضا - عليه السلام - عرفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه فكتب إليه الرضا - عليه السلام -: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.
وأما الأخبار التي يرويها البعض في كفر أبي طالب فلا أساس لها من الصحة، وأما أحاديث الضحضاح فإنما تروى عن المغيرة بن شعبة، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص أمير المؤمنين - عليه السلام - مشهور معلوم وفسقه غير خاف.
وتوفي أبو طالب - عليه السلام - في آخر السنة العاشرة من الهجرة وتوفيت السيدة خديجة أم المؤمنين - عليها السلام - بعده بثلاثة أيام، فسمى رسول الله - صلى الله عليه وآله - ذلك العام عام الحزن، وقال: ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات أبو طالب.
وقد رثاه أمير المؤمنين - عليه السلام - بقوله:
أبا طالب عصمة المستجير وغيث المحول ونور الظلم لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم ولقاك ربك رضوانه فقد كنت للطهر من خير عم فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويم يبعث حيا. ورزقنا الله شفاعته.
راجع: رسالة إيمان أبي طالب للشيخ المفيد، أسنى المطالب في إيمان أبي طالب للعلامة أحمد زيني دحلان، ديوان أبي طالب وذكر إسلامه لأبي نعيم علي بن حمزة البصري، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 14 ص 65 - 84، سفينة البحار للقمي ج 2 ص 87 - 90، أبو طالب مؤمن قريش للعلامة الشيخ عبد الله الخنيزي.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست