الرئاسات والولايات لا للدين لأنهما ومن كان معهما في السقيفة من الأنصار وغيرهم لم يكن لهم قوة في الدين ولا عقيدة في الإسلام، فإن كل من لم تدخل مصيبة النبي - صلى الله عليه وآله - في قلبه، ولم تخشع لها جوارحه، ولا اشتغل بها عن جميع مهماته فإنه ناقص الدين، ضعيف الاعتقاد، بل غير مسلم فكيف يليق بحال من هو متأهل لخلافة المسلمين والقيام مقام نبيهم أن يترك نبيه ميتا لا يحضره ولا يقوم بشئ من مهماته، وحرمته ميتا كحرمته حيا بنص الشرع، فالواجب عليه وعلى جميع أهل الإسلام الحضور لتلك المصيبة والاشتغال بها وتعزية بعضهم بعضا عليها حتى ينقضي عزاؤه، ثم بعد ذلك يقومون في مهماتهم، فلما علموا ذلك أهملوه غاية الإهمال وتسارعوا إلى المنازعة في سلطانه، والقيام في مقامه قبل دفنه بل قبل غسله وقع ذلك منهم على ما ذكرناه مع أنه صهرهم، ولا يليق بأحد من الناس أن يترك زوج ابنته بغير غسل ولا تكفين ولا دفن، بل يعلم منه أنه كاره له غاية الإكراه وهذا واضح بحمد الله على ما هو عادة خلق الله، بل يعلم منه الفرح والسرور بموته لا يشك فيه ذو لب، ولا يحيد عنه إلا جاحد للرسول والرب، بل وأنهم شامتون بموته ومن له أدنى إنصاف يعرف ذلك.
ثم إنه لم يكفه ذلك حتى شرع في الظلم والجور فأول ظلم سنه ظلم البتول فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين التي هي من أولي القربى الذين أمر الله بمودتهم في محكم كتابه وجعله أجر الرسالة فقال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1)، وأي قرابة أبلغ من البنوة،