مرحلة من مراحل تطوره عبر تأريخه الطويل قيمتها ومكانتها لا تفقد منهما شيئا رغم التغير الطارئ على مبادئه ومقاصده.
وهذا ما يمتاز به الفقه من بين كل العلوم والمعارف البشرية، فإن آراء الأقدمين في كل علم وفن لا يعدوا أثرا تأريخيا ينظر إليه الأجيال المتأخرة كمرحلة تأريخية لتطور العلم والفن ليكون عبرة لمن تأخر، وأمثولة للسائرين الكادحين إلى ربهم على درب الإنسانية الطويل، ولكن آراء الفقهاء القدماء لا تفقد قيمتها العلمية مهما طال الزمان، وبعد العهد، بل الأمر بالعكس، فكل ما كان الفقيه أقدم زمانا كان لرأيه الفقهي قيمة أعلى.
وربما يكون هذا مما يثير الاستغراب لدى الجاهلين بحقيقة الفقه ودوره في حياة الإنسان المسلم، فإن الفقه حيث كان محاولة لفهم أحكام الشريعة، فكلما كان الرأي الفقهي الموثق أقرب عهدا بعهد الرسالة والإمامة امتاز بقيمة أعلى في منظار الفقهاء المتأخرين، فربما يتأيد به فهم الفقيه لنص الشريعة، وربما يعتمد الفقيه على مجموعة آراء قديمة يوجب الظن أو القطع بحكم المعصوم، وربما يؤيد شهرة فتوائية سندا للحديث أو يضعف سندا لحديث معارض، ورما يوجب ترجيحا لأحد المتعارضين إذا عممنا المرجحات، إلى غير ذلك من وجوه الاستفادة من آراء القدماء، فالرأي الفقهي القديم ليس أثرا تأريخيا كرأي العالم الرياضي، أو الفلكي الذي باد وانمحى أثره، بل هو مما يحتاج إليه الفقيه المتأخر لاستنباط الحكم الشرعي.
وهذا الأمر مما يدعونا لبذل الجهد في إحياء التراث الفقهي لا كأثر علمي وحضاري فحسب، بل بما أنه من مقومات الفقه الحديث كعلم متطور في أسسه ومبادئه.
ولهذا السبب بعد أن اقترح علينا التحقيق عن كتاب " مسالك الأفهام " لشيخنا الشهيد السعيد زين الدين العاملي قدس الله روحه سارعنا إلى تنفيذ المهمة بالرغم من المشاكل التي تحيط بها متوكلين على الله، راجين ثوابه.