لعياله، ويصلي الصبح في المسجد ويشتغل بالتدريس بقية نهاره، فلما شعرت منه بذلك، كنت أذهب معه بغير اختياره وكنت أستفيد من فضائله وأرى من حسن شمائله ما يحملني على حب ملازمته وعدم مفارقته. وكان يصلي العشاء جماعة ويذهب لحفظ الكرم، ويصلي الصبح في المسجد ويجلس للتدريس والبحث..
وكان شيخنا يتعاطى جميع مهماته بقلبه وبدنه.. حتى أنه ما كان يعجبه تدبير أحد في أموره.. ومع ذلك كله فقد كان غالب الزمان في الخوف الموجب لإتلاف النفس والتستر والاختفاء الذي لا يسع الإنسان معه أن يفكر في مسألة من الضروريات البديهية.. وسيأتي في عدة تصانيفه ما ظهر عنه في زمن الخوف من غزارة العلوم المشبهة بنفائس الجوهر المنظوم..
وأما شكله فقد كان ربعة من الرجال في القامة، معتدل الهامة، وفي آخر أمره كان السمن أميل، بوجه صبيح مدور وشعر سبط يميل إلى الشقرة، أسود العينين والحاجبين، له خال على أحد خديه وآخر على أحد جبينيه، أبيض اللون، لطيف الجسم، عبل الذراعين والساقين، كأن أصابع يديه أقلام فضة، إذا نظر الناظر في وجهه وسمع عذوبة لفظه، لم تسمح نفسه بمفارقته وتسلى عن كل شئ بمخاطبته، تمتلئ العيون من مهابته وتبتهج القلوب لجلالته. وأيم الله أنه لفوق ما وصفت وقد اشتمل من حميد الخصال على أكثر مما ذكرت (1).
الشهيد يترجم نفسه نقل ابن العودي في رسالته هذه، الترجمة عن خط الشهيد قدس الله نفسه، وفيه من تاريخ ولادته وحياته وأسفاره وجولاته العلمية وسعة ثقافته