قال الخادم ونحن نسمع يا أمير المؤمنين: إن للبرامكة أيادي خضرة عندي أفتأذن لي أن أحدثك بحالي معهما؟ قال: قل. فقال يا أمير المؤمنين: أنا المنذر ابن المغيرة من أولاد الملوك، وقد زالت عنى نعمتي كما تزول عن الرجال، فلما ركبني الدين واحتجت إلى بيع ما على رأسي ورؤوس أهلي وبيتي الذي ولدت فيه أشاروا على بالخروج إلى البرامكة فخرجت من دمشق ومعي نيف وثلاثون امرأة وصبي وصبية وليس معنا ما يباع ولا يوهب حتى دخلنا بغداد ونزلنا في بعض المساجد، فدعوت ببعض ثياب كنت عددتها لاستتر بها فلبستها وخرجت وتركتهم جياعا لا شئ عندهم ودخلت شوارع بغداد سائلا عن البرامكة فإذا أنا بمسجد مزخرف، وفى جانبه شيخ بأحسن زي وزينة وعلى الباب خادمان وفى الجامع جماعة جلوس فطمعت في القوم ودخلت المسجد وجلست بين أيديهم، وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى والعرق يسيل منى لأنها لم تكن صناعتي، وإذا الخادم قد أقبل ودعا القوم فقاموا وأنا معهم وإذا يحيى جالس على دكة له وسط بستان فسلمنا وهو يعدنا مائة وواحدا وبين يديه عشرة من ولده، وإذا بأمرد نبت العذار في خديه قد أقبل من بعض المقاصير وبين يديه مائة خادم متمنطقون، في وسط كل خادم منطقة من ذهب يقرب وزنها من ألف مثقال، مع كل خادم مجمرة من ذهب وفى كل مجمرة قطعة من عود كهيئة الفهد وقد قرن به مثله من العنبر السلطاني فوضعوه بين يدي الغلام وجلس إلى جنب يحيى ثم قال للقاضي تكلم: وزوج عائشة من ابن أخي هذا. فخطب القاضي خطبة النكاح وزوجه وشهد أولئك الجماعة وأقبلوا علينا بالنثار ببنادق المسك والعنبر، فالتقطت والله يا أمير المؤمنين ملء كمي ونظرت وإذا نحن في المكان ما بين يحيى والمشايخ وولده والغلام مائة واثنى عشر، فإذا بمائة واثنى عشر خادما قد أقبلوا ومع كل خادم صينية من الفضة على كل صينية ألف دينار فوضعوا بين يدي كل رجل منا صينية فرأيت القاضي والمشايخ يضعون الدنانير في أكمامهم ويجعلون الصواني تحت آباطهم ويقوم الأول فالأول حتى بقيت وحدي لا أجسر على أخذ الصنية فغمزني الخادم فجسرت وأخذتها وجعلت الذهب في كمي
(٢٢٤)