الدنانير ودعوت بطعام فأصاب منه إصابة معذر ثم دعوت بالنبيذ فشرب أقداحا، وغنيته بشعر غيره في معناه، وهو يشرب ويبكى. ثم قال: أعزك الله أعد على صوتي. فغنيته صوته، فجعل يبكى أحر بكاء وينشج أشد نشيج وينتحب فلما رأيته (1) قد خف عما كان يلحقه، والنبيذ قد شد من قلبه كررت عليه صوته مرارا ثم قلت له: حدثني حديثك. فقال: أنا رجل من المدينة خرجت متنزها في ظاهرها - وقد سال العقيق - في فئة من أقاربي (2) فبصرنا بقتيات قد خرجن لمثل ما خرجنا له فجلسن حجرة منا وبصرت منهن بفتاة كأنها قضيب قد طله الندى، تنظر بعين ما ارتد طرفها إلا بنفس ملاحظها فأطلن وأطلنا حتى تفرق الناس وانصرفن وانصرفنا، وقد أبقت بقلبي جرا بطيئا اندماله فعدت إلى منزلي وأنا وقيذ وخرجت من الغد إلى العقيق وليس فيها أحد فلم أر لها ولا لصواحباتها أثرا ثم جعلت أتتبعها في طرق المدينة وأسواقها فكأن الأرض قد ابتلعتها فلم أحس لها بعين ولا أثر وسقمت فقمت حتى أيس منى أهلي، ودخلت بيت ظئر لي فسألتني عن حالي وضمنت لي حالها، والسعي فيما أحبه منها فأخبرتها بقصتي فقالت: لا بأس عليك هذه أيام الربيع، وهي سنة خصب وأنواء، وليس يبعد عنك المطر فيمد (3) العقيق والنسوة سيجيئن فإذا رأيتها اتبعها حتى أعرف خبرها وموضعها، وأسعى لك في تزويجها فكأن نفسي اطمأنت وتراجعت وجاء المطر فسال العقيق فخرجت مع إخواني إليها فما جلسنا مجلسنا الأول كما كنا إلا والنسوة أتين كفرسي رهان فأومأت إلى ظئري جلست حجرة قريبة منا ومنهن، فأقبلت على إخواني فقلت لهم أحسن القائل:
رمتني بسهم أقصد القلب وانثنت * وقد غادرت جرحا بها (4) وندوبا