ويقرأ القرآن في مسجد، فقص عليه قصتي فقام فلما مشينا تأخرت وقلت لصديقي: إنك قد عرضت هذا الشيخ ونفسك وإياي لمكروه عظيم هذا إذا حصل على باب الرجل صفع وصفعنا معه لم يلتفت لفلان وفلان، ولم يفكر في الوزير فكيف يفكر في هذا الفقير؟! فضحك الرجل وقال: لا عليك امش واسكت. فجئنا إلى باب القائد فحين رآه غلمانه أعظموه، وأهووا لتقبيل يديه، فمنعهم من ذلك وقالوا: ما حاجتك أيها الشيخ فان صاحبنا راكب؟ فإن كان أمرا نعلمه نحن بادرنا إليه وإلا فادخل واجلس إلى أن يجئ فقويت نفسي فدخلنا وجاء الرجل. فلما رأى الخياط أعظمه إعظاما تاما وقال: لست أخلع ثيابي حتى تأمر بأمرك. فخاطبه في أمري. فقال: والله ما عندي إلا خمسة آلاف درهم فتسأله أن يأخذها ورهنا بباقي ماله إلى شهر، فبادرت بالإجابة فأحضر الدراهم وحليا بقيمة الباقي فقبضت ذلك وأشهدت الخياط ورفيقي عليه إلى شهر يكون الرهن عندي على البقية فان حان الاجل ولم يسدد فأنا وكيل أبيع وآخذ مالي من ثمنه وخرجنا. فلما بلغنا إلى موضع الخياط طرحت المال بين يديه، وقلت يا شيخ: إن الله تعالى قد رد هذا المال بك. فأحب أن تأخذ ربعه، أو ثلثه، أو نصفه بطيب قلب منى. فقال ما أسرع ما كافئتني عن الجميل بالقبيح؟!
انصرف بمالك بارك الله لك فيه. فلت له: قد بقيت لي حاجة فقال: قل.
قلت: تخبرني عن سبب طاعة هذا لك بعد تهاونه بأكثر أهل المملكة؟ فقال يا هذا: قد بلغت مرادك فلا تقطعني عن شغلي. فألجت عليه فقال: أنا رجل أؤم وأقرى في هذا المسجد منذ أربعين سنة، ومعاشي هذه الخياطة لا أعرف غيرها وكنت منذ دهر قد صليت المغرب وخرجت أريد منزلي فاجتزت بتركي كان في هذه الدار، وامرأة جميلة تجتازه فتعلق بها وهو سكران ليدخلها داره، وهي ممتنعة تستغيث وليس أحد يغيثها ولا يمنعه منها. وتقول في جملة كلامها:
قد حلف زوجي بطلاقي أن لا أبيت إلا عنده، فان بيتني هنا حرمني مع ما يرتكبه منى من المعصية. قال فجئت إلى التركي ورفقت به وسألته تركها فضرب رأسي بدبوس فشجني وأدخل المرأة داره فصرت، إلى منزلي فغسلت الدم وشددت الشجة وخرجت أصلى عشاء الآخرة. فلما فرغت منها