الصيد فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه، وإذا أرسلته ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه وإلى هذا ذهب أكثر العلماء. وروي عن علي رضي الله عنه وجماعة من الصحابة حله وهو مذهب مالك لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود بإسناد حسن أنه قال: يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها قال: كل مما أمسكن عليك قال: وإن أكل؟ قال: وإن أكل وفي حديث سلمان كله وإن لم تدرك منه إلا نصفه. قيل: فيحمل حديث عدي على أن ذلك في كلب قد اعتاد الأكل فخرج عن التعليم، وقيل: إنه محمول على كراهة التنزيه، وحديث أبي ثعلبة لبيان أصل الحل وقد كان عدي موسرا فاختار صلى الله عليه وسلم له الأولى وكان أبو ثعلبة معسرا فأفتاه بأصل الحل. وقال الأولون: الحديثان قد تعارضا وهذه الأجوبة لا يخفى ضعفها فيرجع إلى الترجيح. وحديث عدي أرجح لأنه مخرج في الصحيحين ومتأيد بالآية وقد صرح (ص) بأنه يخاف أنه إنما أمسك على نفسه، فيترك ترجيحا لجنبة الحظر كما قال (ص) في الحديث: وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر - إلى قوله - فلا تأكل فإنه نهى عنه لاحتمال أن المؤثر فيه كلب آخر غير المرسل فيتركه ترجيحا لجنبة الحظر. وقوله: فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكله إن شئت اختلفت الأحاديث في هذا. فروى مسلم وغيره من حديث أبي ثعلبة في الذي يدر ك صيده بعد ثلاث أنه قال صلى الله عليه وسلم: كل ما لم ينتن وروى مسلم أيضا من حديثه أنه قال صلى الله عليه وسلم: إذا رميت بسهمك فغاب عنك مصرعه فكل ما لم يبت ولاختلافها اختلف العلماء. فقال مالك: إذا غاب مصرعه ثم وجد به أثر من الكلب فإنه يأكله ما لم يبت فإذا بات كره. وفيه أقوال أخر. والتعليل بما لم ينتن وما لم يبت هو النص ويحمل ذكر الأوقات على التقييد به وترك الأكل للاحتياط وترجيح جنبة الحظر. وقوله وإن وجدته غريقا فلا تأكل ظاهره وإن وجد به أثر السهم لأنه يجوز أنه مات إلا بالغرق. المسألة الرابعة: الحديث نص في صيد الكلب واختلف فيما يعلم من غيره كالفهد والنمر ومن الطيور كالبازي والشاهين وغيرهما. فذهب مالك وأصحابه إلى أنه يحل صيد كل ما قبل التعليم حتى السنور. وقال جماعة منهم مجاهد: لا يحل إلا صيد الكلب. وأما ما صاده غيره الكلب فيشترط إدراك ذكاته. وقوله تعالى: * (من الجوارح مكلبين) * دليل للثاني بناء على أنه من الكلب بسكون اللام - فلا يشمل غيره من الجوارح، ولكنه يحتمل أنه مشتق من الكلب - بفتح اللام - وهو مصدر بمعنى التكليب وهو التضرية فيشمل الجوارح كلها. والمراد بالجوارح هنا الكواسب على أهلها وهو عام. قال في الكشاف: الجوارح الكواسب من سباع البهائم والطير والكلب والفهد والنمر والعقاب والبازي والصقر والشاهين. والمراد بالمكلب: معلم الجوارح ومضراها بالصيد لصاحبها ورائضها لذلك، بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف. واشتقاقه من الكلب لان التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق له منه لكثرته في جنسه أو لان السبع يسمى كلبا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فأكله
(٨٣)