الاستسعاء؟ فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفا لأنه أورده مختصرا وغيره ساقه بتمامه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. قلت: وبهذا تعرف المجازفة في قول ابن العربي: اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد تقرر هذا لك فقد عرفت تعارض كلام هؤلاء الأئمة الحفاظ في هذه الزيادة، ولا كلام في هذه الزيادة ولا كلام في أنها قد رويت مرفوعة والأصل عدم الادراج حتى يقوم عليه دليل ناهض. وقد تقاومت الأدلة هنا ولكنه عضد القول برفع زيادة السعاية إليه (ص) أن الأصل عدم الادراج. ومع ثبوت رفعها فقد عارضت رواية: وإلا فقد عتق منه ما عتق وقد جمع بينهما بوجهين: الأول: أن معنى قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق أي بإعتاق مالك الحصة حصته، وحصة الشريك تعتق بالسعاية فيعتق العبد بعد تسليم ما عليه ويكون كالمكاتب، وهذا هو الذي جزم به البخاري، ويظهر أن ذلك يكون باختيار العبد لقوله: غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على جهة اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة، وهو لا يلزم في الكتابة ذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذا مثلها، وإلى هذا الجمع ذهب البيهقي وقال: لا تبقى بين الحديثين معارضة أصلا وهو كما قال، إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد السعاية ويحمل حديث أبي المليح عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في غلام فذكر ذلك للنبي (ص) فقال: ليس لله شريك وفي رواية فأجاز عتقه وأخرجه النسائي بإسناد قوي، ومثله ما أخرج أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة أن رجلا أعتق شقصا في مملوك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو كله فليس لله شريك على الموسر فتندفع المعارضة. وأما ما أخرجه أبو داود من طريق ملقام عن أبيه: أن رجلا أعتق نصيبه في مملوك فلم يضمنه النبي (ص)، وإسناده حسن فهو في حق المعسر ويدل له ما أخرجه النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شئ فقال: وله وفاء. والثاني: من وجهي الجمع: أن المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في خدمة سيده الذي لم يعتق رقيقا بقدر ماله من الرق. ومعنى غير مشقوق عليه أنه لا يكلفه سيده من الخدمة فوق ما يطيقه، ولا فوق حصته من الرق. قيل: إلا أنه يبعد هذا الجمع ما أخرجه الطبراني والبيهقي من حديث رجل من بني عذرة: أن رجلا منهم أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله (ص) ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين. قلت: قد يقول من اختار هذا الوجه من الجمع أن المراد من أمره صلى الله عليه وسلم أن يسعى في الثلثين يسعى على مواليه بقدر ثلثي رقبته من الخدمة لأنه الذي بقي رقا لهم.
وإيضاح الجمع بين الأحاديث أن قوله (ص): لا شريك لله فيما إذا كان مالك الشقص غنيا فهو في حكم المالكين فيعتق العبد كله ويسلم قيمة ما هو لشركائه، ويحمل حديث السعاية على ما إذا كان العبد قادرا عليها كما يرشد إليه قوله (ص): غير