فاكترى قاربا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمته ثم رجع، فسئل عن ذلك فقال:
لعله يكون مجاب الدعوة، فلما رقدوا سمعوا قائلا يقول لأهل السفينة: إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم انتهى. ويحتمل أنه إنما أراد طلب الدعوة كما قاله ولم يكن يراه واجبا. قال النووي: ويستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره الحمد فيشمته وهو من باب النصح والامر بالمعروف. ومن آداب العاطس على ما أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض بها صوته، وأن يزيد بعد الحمد لله كلمة رب العالمين، فإنه أخرج الطبراني من حديث ابن عباس إذا عطس أحدكم فقال: الحمد الله، قالت الملائكة: رب العالمين فإذا قال أحدكم: رب العالمين قالت الملائكة: رحمك الله وفيه ضعف. ويشرع أن يشمته ثلاثا إذا كرر العطاس ولا يزيد عليها لما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث. قال ابن أبي جمرة: في الحديث دليل على عظم نعمة الله على العاطس، يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير، وفيه إشارة إلى عظمة فضل الله على عبده فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس، ثم شرع له الحمد الذي يثاب عليه ثم الدعاء بالخير لمن شمته بعد الدعاء منه له بالخير، ولما كان العاطس قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت أدواء عسرة شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضائه على هيئتها والتئامها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها. ومفهوم الحديث أنه لا يشمت غير المسلم كما عرفت، وقد أخرج أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحة من حديث أبي موسى قال: كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجون أن يقول لهم يرحمكم الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. ففيه دليل أنه يقال لهم ذلك، ولكن إذا حمدوا.
الخامسة قوله: وإذا مرض فعده ففيه دليل على وجوب عيادة المسلم للمسلم، وجزم البخاري بوجوبها، قيل: يحتمل أنها فرض كفاية، وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة.
ونقل النووي الاجماع على عدم الوجوب قال المصنف: يعني على الأعيان وإذا كان حقا للمسلم على المسلم فسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه. وسواء فيه القريب وغيره، وهو عام لكل مرض. وقد استثني منه الرمد، ولكنه قد أخرج أبو داود من حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله (ص) من وجع بعيني وصححه الحاكم وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وظاهر العبارة ولو في أول المرض، إلا أنه قد أخرج ابن ماجة من حديث أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود إلا بعد الثلاث وفيه