لكن أصح الأقوال هو القول بأنها نافية ومدخولها هو الكلام الذي بعدها ويكون القصد منها نفي القسم إشارة إلى عظم المقسوم به، كما يقول شخص لآخر:
لا أحلف برأسك أو بحياة أبيك، فيكون الكلام جامعا - بهذا النحو من الأسلوب - بين التعريض بالقسم وإعظام القسم، أو المقسوم به في إنشاء واحد، وهذا هو الوجه الوجيه الذي اختاره المحققون من المفسرين، وهكذا ينبغي الاختيار.
نعم، وكما توهم المتوهمون زيادة " لا " في هذه الآية الكريمة توهموا أيضا زيادة " لا " في الآية الكريمة من سورة الحديد، وهي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) * (1).
ظن جماعة من المفسرين - خطأ - أن " لا " في قوله تعالى: * (لئلا) * زائدة، فاغتنم المغرضون فرصة هذا الاشتباه فاعترضوا على القرآن بوقوع الزوائد فيه، وفاتهم أن " لا " في المقام غير زائدة، كما اهتدى إلى ذلك جماعة من محققي المفسرين، وذلك حيث جعلوا الضمير في * (يقدرون) * راجعا عائدا على المؤمنين المخاطبين في الآية المتقدمة على نحو الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ويكون قوله تعالى: * (وأن الفضل بيد الله) * معطوفا على المجرور بلام التعليل في * (لئلا) * ومعناه: أنه تعالى يتفضل على المؤمنين بالهدى والثروة والشوكة لكيلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدر المؤمنون على شئ من ذلك، ولأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والسبب المقتضي للالتفات، التنبيه على أن التقليل المذكور في الآية الثانية غير داخل في الوعد بالجزاء المذكور، وإنما هو حكمه أو علة للجزاء.