كتاب السرقة عقب به الحدود لأنه منها مع الضمان.. قال: وكأنهم ترجموا لها بالكتاب دون الباب لاشتمالها على بيان حكم الضمان الخارج عن الحدود فكانت غيرها من وجه، فأفردت عنها بكتاب متضمن لأبواب. تأمل.
قال القهستاني: وهو نوعان، لأنه إما أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين، فالأول يسمى بالسرقة الصغرى والثاني بالكبرى، بين حكمها في الآخر لأنها أقل وقوعا وقد اشتركا في التعريف وأكثر الشروط اه: أي لان المعتبر في كل منهما أخذ المال خفية، لكن الخفية في الصغرى هي الخفية عن عين المالك أو من يقوم مقامه كالمودع والمستعير. وفي الكبرى عن عين الامام الملتزم حفظ طرق المسلمين وبلادهم كما في الفتح، والشروط تعلم مما يأتي. قوله: (هي لغة أخذ الشئ الخ) أفاد أنها مصدر وهي أحد خمسة، ففي القاموس: سرق منه الشئ يسرق: أي من باب ضرب سرقا محركة وككتف، وسرقة محركة: أي ككلمة وكفرجة: أي بضم فسكون، وسرقا بالفتح أي مع السكون، والاسم السرقة بالفتح وكفرجة وكتف اه. موضحا. قوله: (خفية) بضم الخاء وكسرها ط عن المصباح. قوله: (مجاز) أي من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق. قوله: (وشرعا باعتبار الحرمة الخ) يعني أن لها في الشرع تعريفين: تعريفا باعتبار كونها محرمة، وتعريفا باعتبار ترتب حكم شرعي عليها، وهو القطع، ومر نظيره في الزنا. قوله:
(أخذه كذلك) أي أخذ الشئ خفية. قوله: (أخذ مكلف) شمل الاخذ حكما، وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل ويأخذوا متاعه ويحملوه على ظهر واحد، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانا، وسيأتي. بحر. وأخرج الصبي والمجنون لان القطع عقوبة وهما ليسا من أهلها، لكنهما يضمنان المال كما في البحر. قوله: (أو عبدا) فهو كالحر هنا، لان القطع لا يتنصف، بخلاف الجلد. قوله: (أو كافرا) الأولى أو ذميا لما في كافي الحاكم أن الحربي المستأمن إذا سرق في دار الاسلام لم يقطع في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: أقطعه. قوله: (أو مجنونا حال إفاقته) الأولى أن يقول: أو مجنونا في غير حال أخذه، لان قوله: ولو أنثى الخ تعميم للمكلف فيصير المعنى أخذ مكلف ولو كان ذلك المكلف مجنونا في حال إفاقته، ولا يخفى ما فيه، فإنه في حال الإفاقة عاقل لا مجنون، إلا أن يجعل حال إفاقته ظرفا لاخذ، فكأنه قال: أخذ مجنون في حال إفاقته، فيصدق عليه أخذ مكلف، وإنما سماه مجنونا نظرا إلى حاله في غير وقت الاخذ، فيرجع إلى ما قلنا. تأمل.
والحاصل كما في البحر والنهر أنه إذا كان يجن ويفيق، فإذا سرق في حال إفاقته قطع، وإلا فلا اه. بقي لو جن بعد الاخذ هل يقطع أم تنتظر إفاقته؟ قال السيد أبو السعود: ظاهر ما قدمه في قوله:
النهر من أنه يشترط لإقامة الحد كونه من أهل الاعتبار يقتضي اشتراط إفاقته، إلا أن يفرق بين الجلد والقطع بأن الذي يحصل به الجلد لا فائدة فيه قبلها لزوال الألم قبل الإفاقة، بخلاف القطع اه.