تنبيه: أشار كلام الفتح إلى أن السياسة لا تختص بالزنا، وهو ما عزاه الشارح إلى النهر. وفي القهستاني: السياسة لا تختص بالزنا بل تجوز في كل جناية، والرأي فيها إلى الامام على ما في الكافي، كقتل مبتدع يتوهم منه انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره كما في التمهيد، وهي مصدر ساس الوالي الرعية: أمرهم ونهاهم كما في القاموس وغيره، فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير كما في المفردات وغيرها اه. ومثله في الدر المنتقى.
قلت: وهذا تعريف للسياسة العامة الصادقة على جميع ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام الشرعية ، وتستعمل أخص من ذلك مما فيه زجر وتأديب ولو بالقتل، كما قالوا في اللوطي والسارق والخناق: إذا تكرر منهم ذلك حل قتلهم سياسة، وكما مر في المبتدع، ولذا عرفها بعضهم بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد، وقوله لها حكم شرعي معناه: أنها داخلة تحت قواعد الشرع وإن لم ينص عليها بخصوصها، فإن مدار الشريعة بعد قواعد الايمان على حسم مواد الفساد لبقاء العالم، ولذا قال في البحر: وظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شئ من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي اه.
وفي حاشية مسكين عن الحموي: السياسة شرع مغلظ، وهي نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها. وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، وتوصل إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع، فمن أراد تفصيلها فعليه بمراجعة كتاب معين الحكام للقاضي علاء الدين الأسود الطرابلسي الحنفي اه.
قلت: والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير كما وقع في الهداية والزيلعي وغيرهما، بل اقتصر في الجوهرة على تسميته تعزيرا، وسيأتي أن التعزير تأديب دون الحد، من العزر بمعنى الرد والردع، وأنه يكون بالضرب وغيره، ولا يلزم أن يكون بمقابلة معصية، ولذا يضرب ابن عشر سنين على الصلاة، وكذلك السياسة كما مر في نفي عمر لنصر بن الحجاج، فإنه ورد أنه قال لعمر: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك، فقد نفاه لافتتان النساء به وإن لم يكن بصنعه، فهو فعل لمصلحة وهي قطع الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه رد وردع عن منكر واجب الإزالة. وقالوا: إن التعزير موكول إلى رأي الامام، فقد ظهر لك بهذا أن باب التعزير هو المتكفل لاحكام السياسة وسيأتي بيانه، وبه علم أن فعل السياسة يكون من القاضي أيضا، والتعبير بالامام ليس للاحتراز عن القاضي بل لكونه هو الأصل، والقاضي نائب عنه في تنفيذ الاحكام كما مر في قوله: فيسألهم الامام، وبدأ الامام برجمه ونحو ذلك. وفي الدر المنتقى عن قوله: (معين الحكام):
للقضاة تعاطي كثير من هذه الأمور، حتى إدامة الحبس والاغلاظ على أهل الشر بالقمع لهم، والتحليف بالطلاق وغيره، وتحليف الشهود إذا ارتاب منهم. ذكره في التاترخانية. وتحليف المتهم لاعتبار حاله، أو المتهم بسرقة يضربه ويحبسه الوالي والقاضي اه. وسيأتي في باب التعزير أن