فإذا ورثه ورثته فإن كانوا أهل رشد لا يولي عليهم فليس لبعضهم أن يستوفيه بغير إذن شريكه، وإن كان شريكه حاضرا فحتى يستأذنه وإن كان غائبا فحتى يحضر الغائب، ولا خلاف في هذين الفصلين عندهم، وعندنا له أن يستوفيه بشرط أن يضمن للباقين ما يخصهم من الدية.
وأما إن كان بعضهم رشيدا لا يولي عليه وبعضهم يولي عليه، مثل أن كانوا إخوة بعضهم صغار أو مجانين، وبعضهم عقلاء بالغون، لم يكن للكبير أن يستوفي حق الصغير، بل يصبر حتى يبلغ الطفل ويفيق المجنون أو يموت، فيقوم وارثه مقامه، وفيه خلاف.
وعندنا أن للرشيد أن يستوفي حق نفسه من الدية والقصاص، فإن اقتص ضمن للباقين نصيبهم من الدية، وإن أخذ الدية كان للصغار إذا بلغوا القصاص بشرط أن يرد على أولياء القاتل ما غرمه من الدية، أو عفا عنه بعضهم، فإن لم يرد لم يكن له غير استيفاء حقه من الدية، ويبطل القصاص.
فإن كان الوارث واحدا يولي عليه مجنون أو صغير وله أب أو جد، مثل أن قتلت أمه وقد طلقها أبوه فالقود له وحده، وليس لأبيه أن يستوفيه بل يصبر حتى إذا بلغ كان ذلك إليه، وسواء كان القصاص طرفا أو نفسا، وسواء كان الولي أبا أو جدا أو الوصي الباب واحد، وفيه خلاف.
فإذا ثبت أنه ليس للوالد أن يقتص لولده الطفل أو المجنون، فإن القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون، لأن في الحبس منفعتهما معا، للقاتل بالعيش ولهذا بالاستيثاق، فإذا ثبت هذا وإن أراد الولي أن يعفو على مال، فإن كان الطفل في كفاية لم يكن ذلك له لأنه يفوت عليه التشفي، وعندنا: له ذلك، لأن له القصاص على ما قلناه إذا بلغ، فلا يبطل التشفي، وإن كان فقيرا لا مال له، قال قوم: له العفو على مال، لأن المال خير من التشفي، وقال آخرون: ليس له العفو على مال، لأنه إذا لم يكن له مال كانت نفقته في بيت المال، قالوا: والأول أصح، وعندنا له ذلك لما بيناه.