عليه هاهنا بالخيار بين أن يقيم البينة على السلامة حين القطع أو على سلامته في أصل الخلقة، لأنه متى ثبت سلامته سقط قول الجاني، فإنا إنما جعلنا القول قوله إذا منع السلامة، فمتى ثبت السلامة بطل أن يكون القول قوله.
فينظر في البينة التي أقامها المجني عليه، فإن أقامها على السلامة حين الجناية فلا حاجة إلى يمينه مع بينته، وإن أقامها على السلامة في أصل الخلقة فعليه أن يحلف أنه لم يزل سليما إلى حين القطع، لجواز أن يكون الشلل حدث بعد ذلك فلا يقطع.
وفي الناس من قال: القول قول الجاني في الظاهرة والباطنة، وفيهم من قال:
القول قول المجني عليه فيهما معا، والصحيح عندي أن القول قول الجاني في الظاهرة، والقول قول المجني عليه في الباطنة.
[القصاص في الأنف] القصاص يجري في الأنف لقوله تعالى: والأنف بالأنف، وقوله: والجروح قصاص، ويؤخذ الأنف الكبير بالصغير، والدقيق بالغليظ، والأقنى بالأفطس، لتساويهما في الاسم.
فإن كان المقطوع مجذوما نظرت، فإن لم يكن سقط منه شئ قطع به الأنف الصحيح، لأن الجذام علة، ونحن نأخذ الصحيح بالعليل، وإن كان قد تناثر بعضه بالجذام فالمجني عليه بالخيار بين أن يأخذ بقدره من الدية فيما بقي، وبين أن يقتص فيما بقي، وإن كان الذاهب مما يمكن القصاص فيه، وهو إن ذهب بالجذام جانبه فأما إن ذهب طرفه فلا، وليس له إلا الدية فيما بقي، وكيف تؤخذ الدية والقصاص في بعضه؟ على ما يأتي فيما بعد.
ويؤخذ أنف الشام بالأخشم - وهو الذي لا يشم به -، لأن عدم الشم علة، وذلك غير مانع من القصاص، كما نأخذ الأذن الصحيحة بالصماء، فالذي يريد أن يؤخذ قودا ويجب فيه كمال الدية هو المارن من الأنف، - والمارن ما لأن منه،