لأنهما يدفعان بها ضرر الضمان عن أنفسهما، وإن كانا فقيرين أو كانا من أباعد العصابات على صفة لا يصل الضمان إليهما حتى يموت من هو أقرب إلى القاتل، قبلها قوم وردها آخرون، والأول أقوى.
ومنهم من قال: أقبل الأباعد ولا أقبل الأقرب المعسر، والفصل أن الأقرب معدود في من يعقل، وإنما خرج بصفة هي الفقر والاعتبار باليسار والإعسار حين حؤول الحول، وقد يكون هذا موسرا حين حؤوله، فلهذا ردت، وليس كذلك الأباعد لأنهم ليسوا من العاقلة التي تضمن ولا يعدان من الجملة فلهذا سمعت فبان الفصل بينهما.
فصل: في حكم الساحر إذا قتل بسحره:
السحر له حقيقة عند قوم، وهو أن الساحر يعقد ويرقى ويسحر فيقتل ويمرض ويكوع الأيدي، ويفرق بين الرجل وزوجته، ويتفق له أن يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله، وقال قوم: لا حقيقة له وإنما هو تخيل وشعبذة، وهو الذي يقوى في نفسي، وفي رواياتنا أن السحر له حقيقة لكن ما ذكروا تفصيله كما ذكره الفقهاء.
ولا خلاف بينهم أن تعليمه وتعلمه وفعله محرم لقوله تعالى: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، فذم على تعليم السحر، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: ليس منا من سحر أو سحر له، وليس منا من تكهن أو تكهن له، وليس منا من تطير أو تطير له.
فإذا ثبت أنه محرم فالسحر عندهم اسم جامع لمعان مختلفة.
فإذا قال: أنا ساحر، قلنا: صف السحر، فإن وصفه بما هو كفر فهو مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن وصفه بما ليس بكفر لكنه قال: أنا أعتقد إباحته، حكمنا بأنه كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه اعتقد إباحة ما أجمع المسلمون على تحريمه، كما لو اعتقد تحليل الزنى فإنه يكفر.