يعدل عن الأدنى إلى ما هو أعلى، وإن اختار القصاص تعين وسقطت الدية، فإن أراد هاهنا أن يعفو على مال، قال قوم: ليس له ذلك، وقال آخرون: يجوز أن يعدل عنه إلى الدية فإنه لا يمتنع أن يعود إلى ما كان له بعد تركه.
فأما العفو فإن عفا عن الدية ثبت القصاص، وإن عفا عن القصاص أولا فإما أن يعفو على مال أو غير مال أو يطلق، فإن عفا على غير مال سقط المال، لأنه قد وجب له أحد شيئين، فإذا عفا عن أحدهما ثبت الآخر، وقوله: على غير مال، إسقاط بعد ثبوته، وإن عفا على مال ثبت المال لأنه وجب له أحدهما لا بعينه، فإذا عفا عن أحدهما على ثبوت الآخر ثبت، وإن عفا مطلقا ثبت المال.
والفرق بين هذا وبين القول الأول أن هاهنا أوجب أحد شيئين، القود أو المال، فإذا عفا عن أحدهما مطلقا علم أنه أراد استبقاء الآخر، وليس كذلك إذا قيل: أوجب القود فقط، لأن الواجب هناك القود لا غير، فإذا أطلق العفو لم يجب شئ لأنه قد عفا عن كل ما وجب له، فلهذا لم يجب له شئ.
إذا كان القتل قتلا يجب به الدية، وهو الخطأ المحض، وعمد الخطأ، وعمد لا يجب به القود: مثل أن قتل الوالد ولده، أو قتل المسلم كافرا، وجبت الدية، وكانت ميراثا لجميع ورثته ممن يرث تركته من المال الذكور منهم والإناث، وسواء كان الميراث بنسب أو سبب - وهي الزوجية أو ولاء - ولم يختلفوا أن العقل موروث كالمال لقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، والأهل عبارة عن جميع هؤلاء.
وأما الكلام في القصاص، وهو إذا قتل عمدا محضا فإنه كالدية في الميراث، يرثه من يرثها، فالدية يرثها من يرث المال، والقود يرثه من يرث الدية والمال معا، هذا مذهب الأكثر، وقال قوم: يرثه العصبات من الرجال دون النساء، وفيه خلاف، والأقوى عندي الأول، وإن كان الثاني قد ذهب إليه جماعة من أصحابنا، وذكرناه نحن في النهاية ومختصر الفرائض، فأما الزوج والزوجة فلا خلاف بين أصحابنا أنه لاحظ لهما في القصاص، ولهما نصيبهما من الميراث من الدية.