لأنه لا يؤمن أن يكون من حرصه على التشفي أن يقطع منه في غير موضع القطع، فيجني عليه، ويفارق النفس، لأنه قد استحق إتلاف جملتها.
التوكيل في إثبات القصاص جائز، فإن استوفاه الوكيل بمشهد منه جاز لأنه ليس فيه تغرير بهدر الدماء، وإن أراد الاستيفاء بغيبة من الموكل، منهم من قال:
يجوز، ومنهم من قال: لا يجوز إلا بمشهد منه، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يجوز.
وأما التوكيل بالاستيفاء بغيبة منه، منهم من قال: العقد باطل إذا قيل لا يستوفيه إلا بمشهد منه، وقال آخرون: يصح التوكيل.
إذا قال: يستوفيه بغيبة منه - وهو الصحيح عندنا - فمتى اقتص الوكيل قبل عفو الموكل وقع الاقتصاص موقعه، سواء قيل يصح التوكيل أو لا يصح، لأنه إن كان صحيحا فلا إشكال فيه، وإن كان فاسدا فهو استيفاء بإذن فلا يضر فساد العقد.
فأما إن عفا الموكل عن القود، فإن حكم العفو وتصرف الوكيل لا يختلف، سواء قيل الوكالة صحيحة أو فاسدة، فإذا عفا الموكل عن القود، ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: عفا بعد أن قتل الوكيل كان عفوه باطلا لأنه عفا لا عن حق.
الثانية: عفا عن القود، وعلم به الوكيل فلم يلتفت إلى هذا، وقتل القاتل فالحكم متعلق بالوكيل وحده، وكان عليه القود لأنه قتله بعد علمه بالعفو، فهو كما لو قتله ابتداء.
الثالثة: قتله الوكيل بعد العفو، وقبل العلم بالعفو، قال قوم: لا ضمان عليه، وقال آخرون: عليه الدية، وذلك أنه مبني على أنه هل يصح عفوه أم لا؟ فقال بعضهم: صح، وقال آخرون: لم يصح، وهذه أصل المسألة.
الموكل إذا فسخ الوكالة بغير علم الوكيل هل تنفسخ الوكالة أم لا، على وجهين بناء على هذه المسألة أحدهما: يصح وهو الصحيح عندهم، والآخر: لا يصح، وقد روى أصحابنا القولين والأولى أنه لا يصح، فمن قال: لا يصح عفوه،