وإذا عدم صنف من الأصناف فلا يخلو من أن يعدموا في سائر البلاد أو في بلد المال وحده، فإن عدموا في سائر البلدان - كالمؤلفة قلوبهم والمكاتبين - فإن سهمهم ينتقل إلى باقي الأصناف فيقسم فيهم لأنهم أقرب، وإن عدموا في بلد المال وكانوا موجودين في بلد آخر فرق في من بقي من الأصناف في بلد المال ولا يحمل إلى غيره إلا بشرط الضمان.
سبب استحقاق الزكاة على ضربين: سبب مستقر وسبب مراعى. فالمستقر الفقر والمسكنة وغير ذلك، فإن الفقراء والمساكين يأخذون الصدقة أخذا مستقرا ولا يراعى ما يفرقونه فيه سواء فرقوها في حاجتهم أو لم يفرقوها لا اعتراض عليهم. والمراعي مثل الغارمين والمكاتبين فإنه يراعى حالهم، فإن صرفوها في قضاء الدين ومال الكتابة وإلا استرجعت عنهم.
الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين، وكذلك لفظة المسكين إذا أطلق دخل فيه الفقير لأنهما متقاربان في المعنى، فأما إذا جمع بينهما كآية الصدقة وغيرها ففيه خلاف بين العلماء، فقال قوم وهو الصحيح: إن الفقير هو الذي لا شئ له ولا معه، والمسكين هو الذي له بلغة من العيش لا تكفيه، وفيهم من قال بالعكس من ذلك، والأول أولى لقوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين، وهي تساوي جملة.
تحرم الصدقة على من يقدر على التكسب الذي يقوم بأوده وأود عياله.
إذا جاء رجل إلى الإمام أو الساعي وذكر أنه لا مال له ولا كسب وسأله أن يعطيه شيئا من الزكاة، فإن عرف الإمام صدقه أعطاه، وإن عرف كذبه لم يعطه، وإن جهل حاله نظر، فإن كان جلدا في الظاهر أعطاه، وقيل: إنه يحلف لأنه يدعي أمرا يخالف الظاهر، وقيل: إنه لا يحلف وهو الأقوى، وأما إذا كان ضعيفا في الظاهر فإنه يعطيه من الصدقة ولا يحلفه لأن الظاهر موافق لما يدعيه.
فإن ادعى هذا السائل أنه يحتاج إلى الصدقة لأجل عياله فهل يقبل قوله؟
فيه قولان: أحدهما: يقبل قوله بلا بينة. والثاني: لا يقبل إلا ببينة لأنه لا يتعذر،