الحرم سواء كان مشاهدا له أو لم يكن كذلك، وما قدمناه في معرفة زوال الشمس به يعرف به جهة القبلة لأن الشمس إذا زالت مالت من بين عيني الانسان حتى تصير على حاجبه الأيمن كان متوجها إليها وإذا كان في الليل كان متوجها إليها بأن يجعل الجدي على منكبه الأيمن وإن كان عند طلوع الفجر جعله على يده اليسرى.
وإذا تقدمت له المعرفة بجهة القبلة أمكنه أيضا أن يعرف زوال الشمس بأن يتوجه إليها فيرى الشمس على حاجبه الأيمن، ويمكن أن يعرف ذلك بأن يجعل الانسان منكبه الأيمن بإزاء المغرب والأيسر بإزاء المشرق ثم ينظر الشمس فإذا رآها قد زالت وصارت على حاجبه الأيمن كان متوجها إلى القبلة فإن كان عارفا بالجهة التي تنتهي الشمس إليها في الصيف ثم ترجع وعارفا بالجهة التي إذا رجعت انتهت ثم عادت وكذلك في جهتي انتهائها في المغرب ورجوعها، ثم تحري جهة الوسط بأن يجعل منكبه بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المغرب ومنكبه الأيسر بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المشرق. ثم توجه إلى جهة الجنوب فإنه إذا وقف كذلك ووجد الشمس قد زالت وصارت على حاجبه الأيمن عرف بذلك الزوال وكان متوجها إلى القبلة.
وإذا أطبقت السماء بالغيم وحضر وقت الصلاة ولم يتمكن المكلف من المعرفة بجهتها ولا غلب في ظنه ذلك صلى إلى أربع جهات الصلاة بعينها أربع صلوات، فإن لم يتمكن من ذلك لخوف أو غيره من الضرورات صلى إلى أي جهة أراد، والمحبوس إذا كان لا يتمكن من المعروفة بجهة القبلة كان حكمه ما قدمناه ومن كان على سطح الكعبة فعليه أن ينزل ويتوجه إليها فإن لم يتمكن من ذلك لضرورة استلقى على ظهره ونظر إلى السماء وصلى إليها وقد ذكر أنه إذا فعل ذلك كان متوجها إلى البيت المعمور.
وإذا اجتمع قوم غير عارفين بجهة القبلة بشئ من الوجوه التي ذكرناها وأرادوا أن يصلوا جماعة جاز لهم ذلك بأن يقتدوا بواحد منهم إذا كانت أحوالهم متساوية في التباس القبلة عليهم، فإن غلب في ظن بعضهم جهة القبلة وتساوى ظن الباقين كان ذلك أيضا جائزا لهم بأن يقتدوا به لأن فرضهم الصلاة إلى الجهات الأربع مع التمكن وإلى واحدة منها مع الضرورة، وهذه الجهة واحدة من ذلك، فإن اختلف ظنونهم وأدى كل واحد منهم