المسألة الثامنة والأربعون:
لا يجوز التيمم إلا بالصعيد الطيب الذي يرتفع منه غبار وينبت فيه الحشيش ولا يكون سبخة والذي يذهب إليه أصحابنا أن التيمم لا يكون إلا بالتراب أو ما جرى مجرى التراب مما لم يتغير تغيرا يسلبه إطلاق اسم الأرض عليه ويجوز التيمم بغبار الثوب وما أشبهه إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه وقال الشافعي التيمم بالتراب وما أشبهه من المدر والسبخ ولم يجز التيمم بالنورة والزرنيخ والجص وقال أبو حنيفة يجوز التيمم بالتراب وكل ما كان من جنس الأرض وأجازه بالزرنيخ والكحل والنورة وأجاز التيمم بغبار الثوب وما أشبهه وقال أبو يوسف لا يجوز التيمم إلا بالتراب والرمل خاصة وأجاز مالك التيمم بكل ما أجازه أبو حنيفة وزاد عليه بأن أجازه من الضجر وما جرى مجراه دليلنا على صحة مذهبنا الاجماع المقدم ذكره ونزيد عليه قوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا والصعيد التراب وحكى ابن دريد في كتاب الجمهرة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ وقول أبي عبيدة حجة في اللغة والصعيد لا يخلو أن يراد به التراب أو نفس الأرض وقد حكي أنه يطلق عليها ويراد ما تصاعد على الأرض فإن كان الأول فقد تم ما أردناه وإن كان الثاني لم يدخل فيه ما يذهب إليه أبو حنيفة لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى أرضا بالإطلاق كما لا يسمى سائر المعادن من الفضة والذهب والحديد بأنه أرض وإن كان الصعيد ما تصاعد من الأرض لم يخل من أن يكون ما تصاعد عليها ما هو منها وتسمى باسمها أو لا يكون كذلك فإن كان الأول فقد دخل فيما ذكرناه وإن كان الثاني فهو باطل لأنه لو تصاعد على الأرض شئ من الثمرة والمعادن أو مما هو خارج عن جوهر الأرض فإنه لا يسمى صعيدا بالإجماع وأيضا ما روي عنه ع من قوله جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا وأيضا فقد علمنا أنه إذا تيمم بما ذكرناه استباح الصلاة تيمم وإذا تيمم بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع وعلم فيجب أن يكون الاحتياط والاستظهار فيما ذكرناه وكذلك أيضا إن تقول إنه على يقين من الحدث فلا يجوز أن يستبيح الصلاة إلا بيقين ولا يقين إلا بما ذكرناه دون ما ذكره المخالف.