باب الغسل:
ثم قال سبحانه وتعالى عاطفا على تلك الجملة جملة أخرى، فقال: وإن كنتم جنبا فاطهروا. ولكل كلام حكم نفسه، ولذلك قال ع: إذا أجنب المكلف فقد وجب الغسل. فعلة الغسل هي الجنابة كما ذكره المرتضى في الذريعة، فغسل الجنابة واجب على كل حال. وقد ذكرنا في كتاب " الشجار " في وجوب غسل الجنابة بيان ذلك على الاستقصاء، وبينا ما هو العمل عليه والمعول على ما أشرنا ههنا أيضا إليه.
وقيل: إن هذه الأحكام التي هي الغسل والتيمم - الذي هو بدل منه أو من الوضوء - من مقدمات الصلاة وشرائطها تجب لوجوبها، أي وإن أصابتكم جنابة وأردتم القيام إلى الصلاة فاطهروا، ومعناه فتطهروا بالاغتسال. فهذه الجملة متصلة بالجملة الأولى متعلقة بها، لأن الآية من أولها إلى آخرها تبين شرائط الصلاة المتقدمة، فلهذا كان حكم الجملة الأخيرة حكم الأولى. لا لأنه قد ربطها الواو العاطفة بما قبلها حتى يقدح في ذلك بقوله: وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم.
فصل:
ونبدأ أولا بتفسير ألفاظ الآية وكشف معانيها ثم نشتغل بذكر الأحكام المتعلقة بها، فنقول: إن لفظ " الجنب " يقع على الواحد والجمع والاثنين والمذكر والمؤنث، مثل عدل وخصم وزور ونحو ذلك، إذ هو مصدر أو بمنزلة المصدر، وقال الزجاج: تقديره " ذو جنب ".
وأصل الجنابة البعد، لأنها حالة تبعد عن مقاربة العبادات إلى أن يتطهر بالاغتسال على بعض الوجوه. والأطهار هو الاغتسال بلا خلاف. وأطهر هو تطهر مدغما، لأن التاء أدغم في الطاء، فسكن أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل. ومعنى الآية: أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامه.
والجنابة تحصل بشيئين: إما بإنزال الماء الدافق في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة، أو بالتقاء الختانين. وحده غيبوبة الحشفة في القبل أنزل أو لم ينزل. وقال أبو مسلم ابن