المحال أن يخاطب المعدوم.
قلنا: الأوامر على ضربين: أحدهما على الإطلاق، فالمأمور يجب أن يكون قادرا مزاح العلة فضلا على وجوده. والآخر يكون أمرا بشرط، فالمأمور لا يجب أن يكون كذلك في الحال ولكن بشرط أن يوجد ويصير قادرا مزاح العلة متمكنا.
وإذا ثبت هذا فأوامر الله تعالى وأوامر الرسول ع كانت أوامر للمكلفين الموجودين في ذلك الزمان على تلك الصفات وكانت أوامر لمن بعدهم بشرط أن يوجدوا ويصيروا قادرين مترددي الدواعي على ما ذكرناه، والأمر على هذا الوجه يكون حسنا (فإنه يحسن من الواحد منا أن يأمر النجار بإنجار باب غدا بشرط أن يمكنه مما يحتاج إليه من الآلات وغيرها وإن لم يمكنه في الحالة وإنما أوردت هذه الجملة استئناسا للناظر فيه، وهو التنبيه للفقيه.
باب الوضوء:
أما قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فإنه يدل بظاهره على وجوب أربعة أفعال مقارنة للوضوء، ويدل من فحواه على وجوب النية فيه لأنه عمل والأعمال بالنيات.
ثم اعلم أن القيام إلى الصلاة ضربان: أحدهما أن يقوم للدخول فيها، والآخر أن يتأهب باستعمال الطهارة للشروع فيها. فالأول لا يصح من دون الثاني، والثاني إنما يجب بشرط تقدم الأول. فبهذا الخطاب أمرهم الله أنهم إذا أرادوا القيام إلى الصلاة وهم على غير طهر أن يغسلوا وجوههم ويفعلوا ما أمرهم الله به فيها.
وحذف الإرادة لأن في الكلام دلالة عليه، ومثله قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله، معناه إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، وقوله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، معناه فأردت أن تقيم لهم الصلاة.
والذي يدل عليه هو أن الله أمر بغسل الأعضاء إذا قام إلى الصلاة بقوله: إذا قمتم