ذلك: إن مفاد الجملة الملزمة بالاجتناب إن كان حكما واقعيا كانت دليلا على نجاسة كل دم واقعا، ويكون ما دل على طهارة بعض أقسامه مقيدا لها ولا معنى حينئذ لدعوى كونها مقيدة لقاعدة الطهارة، لعدم كونها من سنخها مفادا. وإن كان مفاد الجملة المذكورة حكما ظاهريا، بلحاظ حال الشك في هوية الدم أمكن أن تكون مقيدة لاطلاق القاعدة. ومقتضى طبع كل دليل لم يؤخذ في موضوعه الشك هو الحمل على الحكم الواقعي، وحيث لم يؤخذ الشك في هوية الدم في الجملة المذكورة فظاهرها الأولي الحكم الواقعي فلا بد من ابراز قرينة صارفة عن ذلك، وما يدعى كونه كذلك في المقام أنها لو حملت على الحكم الواقعي لزم تقييدها بخصوص الدم النجس، وهذا وإن لم يكن تقييدا بفرد نادر ولكن احراز ذلك نادر، فيلزم كون الحكم المفاد في الجملة غير عملي ولا مؤثرا فعلا لأن موضوعه المتحصل بعد التقييد مشكوك ومؤمن عنه غالبا. وهذا خلاف ظهور الكلام في اتجاهه إلى إفادة الوظيفة الفعلية فلا بد إذن إما من حمل مفاده على الحكم الظاهري ابتداءا، أو ابقائه على إفادة الواقع مع إفادة حكم ظاهري بالاجتناب عند الشك التزاما، حفاظا على الظهور في الوظيفة الفعلية. وعلى أي حال يثبت المقيد لقاعدة الطهارة.
ويرد عليه: أولا: أن الشك في كون الدم المرئي على المنقار من النجس أو الطاهر، تارة: للشك في كونه دما متخلفا من حيوان مذكى أو غيره، وأخرى: للشك في كونه لذي نفس سائلة أو لغيره. وفي الشك الأول لا تجري قاعدة الطهارة بقطع النظر عن الموثقة، حيث يرجع إلى الشك في تذكية الحيوان الذي نهش فيه الطير، فيجري استصحاب عدم التذكية بناءا على أن الطاهر هو الدم المتخلف في الحيوان المذكى بهذا العنوان، فباستصحاب عدم تذكية الحيوان ينفى كون الدم من الطاهر